أثار غياب وفد حركة "فتح" عن اجتماعات المصالحة الفلسطينية التي دعت إليها القاهرة في أكتوبر 2025، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية الفلسطينية والعربية، في وقت يشهد فيه الملف الفلسطيني تحديات غير مسبوقة، على المستويين الداخلي والخارجي.

وقد أدلى عدد من الخبراء السياسيين بتصريحات تلفزيونية تناولوا فيها دوافع هذا الغياب، وسلطوا الضوء على الإشكالات الجوهرية التي ما زالت تعيق مسار المصالحة، وفي مقدمتها انعدام الثقة المتبادل بين الفصائل، واختلاف أولويات الملفات المطروحة.

 

تحفظات فتح على آلية الحوار

في تصريحات تلفزيونية، أوضح د. أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية والقيادي السابق في حركة فتح، أن قرار الحركة بعدم المشاركة في اجتماعات القاهرة يعود بالأساس إلى غياب بيئة الحوار الجادة، وتفضيل بعض الأطراف، في إشارة إلى فصائل بعينها، إدارة النقاش بطريقة انتقائية دون توافق وطني شامل.

وأشار الرقب إلى أن جدول الأعمال المطروح يتجاوز القضايا الجوهرية، مثل تشكيل حكومة وحدة وطنية وإعادة بناء منظمة التحرير، ويركز بدلًا من ذلك على قضايا فنية مرتبطة بمرحلة ما بعد الحرب في غزة.

وهو ما اعتبره مؤشرًا على وجود نوايا مسبقة لتحديد شكل المرحلة المقبلة بمعزل عن موقف حركة فتح، ما دفع الأخيرة إلى اتخاذ قرار بالمقاطعة.

 

قلق من انفراد فصائل بالقرار الوطني

أعرب د. الرقب عن قلقه مما وصفه بـ"محاولات فصائل بعينها فرض وقائع سياسية جديدة دون إجماع"، محذرًا من أن تجاوز المؤسسات الشرعية وتهميش دور حركة فتح سيقود إلى إعادة إنتاج الانقسام بشكل أعمق، تحت غطاء جديد.

كما أشار إلى أن الحركة تلقت إشارات تفيد بأن الاجتماع سيُوظف سياسيًا لشرعنة ترتيبات ميدانية أو إدارية لم تكن محل توافق مسبق، مما يجعل من المشاركة في هكذا لقاء مخاطرة سياسية قد تُستغل ضد المشروع الوطني.

 

دعوة للمشاركة رغم الخلافات

من جانبه، رأى الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أن غياب حركة فتح عن الاجتماعات يمثل خطوة غير مبررة في هذا التوقيت، حتى مع وجود ملاحظات وتحفظات على الإطار العام للحوار.

وأكد أن المشاركة كانت ستمنح الحركة منصة للتعبير عن موقفها، والضغط من الداخل لإعادة ترتيب أولويات النقاشات.

واعتبر عوكل أن استمرار سياسة الغياب أو المقاطعة لا يؤدي إلا إلى مزيد من التباعد والانقسام، مضيفًا أن القفز عن قضايا مصيرية مثل إعادة الإعمار وترتيب الوضع الإداري في غزة قد يبدو مرفوضًا سياسيًا، لكنه في الوقت ذاته يعكس حاجات إنسانية لا يمكن تأجيلها.

 

الجميع يتحمل المسؤولية

شدّد طلال عوكل على أن المسؤولية لا تقع على طرف دون آخر، وأن كافة الفصائل، بما فيها فتح وحماس، تتحمل نصيبها من تعثر المصالحة.

وأوضح أن الانقسام الفلسطيني ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج تراكمي لفشل المحاولات السابقة، والغياب المستمر للإرادة السياسية المشتركة.

وأكد أن انعدام الثقة هو العامل الأبرز الذي يمنع الوصول إلى تسوية داخلية، وهو ما ينعكس حتى على أبسط الملفات الإدارية أو الأمنية.

 

غياب الثقة وغياب الاستراتيجية

في رؤيتهما المشتركة، أجمع الخبيران على أن غياب الثقة الاستراتيجية بين فتح وحماس يقف عائقًا أمام أي تقدم، وأن غياب الرؤية الواضحة لما بعد الحرب يعزز الشكوك بين الأطراف، ويجعل من أي حوار عرضة للفشل.

ودعا الطرفان إلى إعادة النظر في ترتيب الأولويات، وضرورة صياغة تفاهمات وطنية قبل الانتقال إلى أي ترتيبات تنفيذية.

ختاما تظهر تصريحات الخبراء أن غياب وفد فتح عن اجتماعات القاهرة لا يمكن فصله عن السياق السياسي العام، الذي يشهد انقسامًا حادًا في الرؤى والتوجهات بين الفصائل الفلسطينية.

وبين من يرى أن الغياب هو موقف مبدئي لحماية المشروع الوطني، ومن يعتبره انسحابًا سلبيًا في وقت مفصلي، تبقى الحاجة ملحة إلى حوار وطني شامل، قائم على الثقة المتبادلة، والإرادة السياسية الحقيقية لتجاوز الانقسام.