في مشهد يعكس حالة الانفصال بين الطبقة الحاكمة وملايين المواطنين الغارقين في أزماتهم المعيشية، خرج وكيل مجلس النواب المصري محمد أبو العنين بتصريحات مثيرة قال فيها إنه بصدد إصدار كتاب يتحدث فيه عمّا حدث قبل 30 يونيو، وكيف "قدّم السيسي نفسه فداءً للوطن" وأنقذ مصر من الانهيار.
لكن المتابع لتاريخ أبو العنين يدرك أن الرجل، الذي يقدّم نفسه اليوم كأحد رموز الوطنية، هو في الواقع أحد أبرز المستفيدين من السياسات التي أفقرت المصريين وحوّلت الثروة الوطنية إلى جيوب حفنة من رجال الأعمال المقربين من السلطة.

منذ دخوله عالم الأعمال في ثمانينيات القرن الماضي، نسج أبو العنين شبكة مصالح واسعة امتدت من صناعة السيراميك والبورسلين إلى العقارات والإعلام وحتى البرلمان والسياسة.
ورغم أنه يحرص على تقديم نفسه كرجل "نجاح" صنع نفسه من الصفر، إلا أن تقارير اقتصادية وإعلامية عديدة كشفت أن امبراطوريته لم تكن لتتضخم بهذا الشكل لولا علاقاته الوثيقة بمراكز النفوذ في النظامين السابق والحالي، واستفادته من الخصخصة والتسهيلات الحكومية والامتيازات غير المتاحة للمنافسين.

في مصانع كليوباترا للسيراميك بالعاشر من رمضان، وهي قلب إمبراطوريته الصناعية، تكررت على مدى سنوات شكاوى العمال من تدني الأجور وسوء بيئة العمل والتسريح التعسفي.
وقد اندلعت احتجاجات عديدة داخل مصانع المجموعة، رُفعت خلالها شعارات تتهم أبو العنين بـ"استغلال العمال ونهب عرقهم".
ورغم وعوده المتكررة بتحسين الأوضاع، إلا أن التقارير الحقوقية تشير إلى استمرار الممارسات نفسها، مع تضييق على العمل النقابي ورفض للاعتراف بلجان مستقلة تمثل العمال.

لم يتوقف الجدل عند حدود المصانع.
فالرجل الذي يُصنف نفسه كـ"صاحب رؤية وطنية" متهم كذلك بالحصول على أراضٍ شاسعة بأسعار رمزية في مشروعات سياحية وسكنية خلال حقبة مبارك، مستفيدًا من قربه من دوائر القرار.
بل إن بعض الملفات التي فُتحت بعد ثورة يناير تضمنت اتهامات له بالحصول على تراخيص وتسهيلات مخالفة للقانون، لكنها أُغلقت لاحقًا في ظل موجة المصالحة مع رجال الأعمال عقب الانقلاب في 2013.

سياسيًا، يُعدّ أبو العنين نموذجًا لرجال الأعمال الذين حوّلوا البرلمان إلى واجهة لحماية مصالحهم الاقتصادية.
فقد استغل مقعده النيابي، سواء في البرلمان قبل الثورة أو بعد 2013، لتمرير تشريعات تخدم أصحاب رؤوس الأموال، مع تجاهل تام لحقوق العمال والفئات الفقيرة.
ولم يعرف عنه طوال مسيرته النيابية أنه تبنّى مشروع قانون واحد يعالج قضايا العدالة الاجتماعية أو مكافحة الفساد، بل اكتفى بدور المتحدث الرسمي باسم توجهات السلطة، مستخدمًا منبر البرلمان لتجميل السياسات الحكومية وتبرير قراراتها القاسية.

أما في الإعلام، فقد أنشأ قنوات وصحفًا توظّف خطابًا دعائيًا يمجّد السلطة ويشيطن المعارضين، مقدّمًا نفسه كـ"رجل دولة" بينما يمارس أبشع أشكال النفاق السياسي.
تصريحاته الأخيرة عن "السيسي الذي أنقذ مصر" تأتي استمرارًا لهذا الخطاب، إذ يحاول أبو العنين من خلالها تثبيت موقعه في قلب النظام، في وقت تتزايد فيه نقمة الشارع على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الكارثية.

وبينما يتحدث عن "الوطنية والفداء"، يعيش عشرات الآلاف من العمال الذين ساهموا في بناء ثروته بلا تأمينات حقيقية أو حقوق عادلة.
المفارقة أن من يتغنى اليوم بإنقاذ مصر من الانهيار، هو نفسه ممن ساهموا في تفريغ الاقتصاد من قيم الإنتاج وتحويله إلى ساحة احتكار واستغلال.

في النهاية، قد يكتب أبو العنين كتابًا عن "بطولات 30 يونيو"، لكنه لن يجرؤ على كتابة سطر واحد عن كيف استفاد من كل نظام جاء إلى الحكم، أو كيف حُوّلت مؤسساته إلى نموذج مصغّر لما تعانيه مصر من فساد وتفاوت طبقي واستغلال بلا حدود.
فالتاريخ لا يُكتب بالأموال ولا يُروى على لسان من كانوا جزءًا من المشكلة، بل على لسان الشعوب التي دفعت الثمن.