في حلقة جديدة من مسلسل الغلاء الذي يلتهم جيوب المصريين يوماً بعد يوم، لم تكد تمضي ساعات على قرار الحكومة برفع أسعار البنزين والسولار، حتى بدأت تداعيات القرار تطال أحد أكثر السلع حساسية للمواطنين: الخبز. فقد كشف خالد فكري، رئيس شعبة المخابز بالغرفة التجارية في القاهرة، عن زيادات أسعار الخبز السياحي والمخبوزات الأفرنجي مثل العيش الفينو، بنسبة 15% مبدئيًا، متوقعا وصولها لـ 25% الساعات القادمة نتيجة الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود.
من الوقود إلى الرغيف: حلقة متصلة من الأعباء
يبدو أن تأثير قرار الحكومة برفع أسعار الوقود لم يتوقف عند محطات البنزين والسولار، بل تسلل بسرعة إلى كل زاوية من حياة المصريين اليومية. فالوقود لا يُستخدم فقط لتسيير السيارات، بل يدخل في كل مراحل الإنتاج والنقل والتوزيع، بدءًا من المخابز والمطاحن وصولاً إلى منافذ البيع.
يقول فكري في تصريحاته إن ارتفاع أسعار البنزين والسولار سيؤدي مباشرة إلى زيادة تكلفة إنتاج وتوزيع المخبوزات، موضحًا أن نقل الدقيق والمواد الخام إلى المخابز يعتمد بالكامل على الشاحنات التي تستهلك الوقود بشكل يومي، وهو ما يعني زيادة فورية في النفقات التشغيلية.
قرارات بلا حساب... والمواطن يدفع الثمن
الزيادة في أسعار الخبز السياحي ليست سوى وجه من وجوه الأزمة الأوسع. فكل مرة ترفع فيها الحكومة أسعار الوقود، يتكرر المشهد ذاته: تتعالى الأصوات الرسمية بحديث مكرر عن "تصحيح الأسعار" و"إزالة التشوهات"، بينما يغرق الشارع المصري في موجة جديدة من الغلاء تعصف بميزانيات الأسر المتوسطة والفقيرة على حد سواء.
ويصف مراقبون هذا النمط من السياسات بأنه دائرة مغلقة من الأزمات؛ فالحكومة ترفع الأسعار بحجة ضبط الدعم وتقليل العجز، لكن النتيجة الفعلية تكون دائمًا ارتفاعًا عامًا في أسعار الغذاء والنقل والخدمات، ما يدفع بدوره إلى زيادة التضخم وتآكل القوة الشرائية للمواطنين.
15% زيادة مبدئية... وقد تكون البداية فقط
بحسب تصريحات خالد فكري، فإن تحديد نسبة الزيادة النهائية في أسعار الخبز السياحي والفينو سيتوقف على الأسعار الجديدة للطحين التي ستعلنها المطاحن خلال الأيام المقبلة. فتكلفة الطحين ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأسعار الوقود والنقل، ومع أي زيادة جديدة في تكاليف التشغيل ستجد المخابز نفسها مضطرة إلى رفع الأسعار مرة أخرى أو تقليل وزن الرغيف.
ويُقدر فكري أن الزيادة الحالية لن تقل عن 15%، موضحًا أن متوسط وزن الرغيف السياحي يتراوح بين 80 و90 جرامًا، وهو ما يضع أصحاب المخابز أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما تقليل وزن الرغيف للحفاظ على السعر الحالي، أو رفع السعر مباشرة لمواجهة التكاليف المتصاعدة.
الخبز... آخر خطوط الدفاع عن الجياع
لطالما كان "الرغيف" في الوجدان المصري رمزًا للكرامة والعيش الكريم، حتى أن المصريين أطلقوا عليه الاسم ذاته: "العيش". لكن السياسات الحكومية المتعاقبة حولته إلى سلعة تخضع لقوانين السوق وموجات التضخم، بدلاً من أن يكون حقًا مضمونًا للمواطن.
وفي الوقت الذي تواصل فيه الحكومة تبرير قراراتها الاقتصادية بعبارات مثل "الإصلاح" و"التحرير" و"جذب الاستثمارات"، فإن الواقع الميداني يكشف أن الفئات الأكثر فقرًا هي من تدفع الثمن الأكبر. فارتفاع سعر الخبز السياحي يعني عمليًا إقصاء شريحة واسعة من الطبقة الوسطى عن إمكانية شرائه بشكل يومي، بعد أن بات الخبز البلدي المدعوم غير كافٍ أو صعب المنال بسبب محدودية الحصص وتراجع الدعم.
من يتحمل المسؤولية؟
تُطرح هنا تساؤلات مشروعة حول مدى إدراك الحكومة لتبعات قراراتها على الحياة اليومية للمواطنين. فرفع أسعار الوقود دون خطط حماية اجتماعية كافية أو رقابة على الأسواق يعني ببساطة تعميم الأزمة على الجميع. ومن المثير للدهشة أن هذه القرارات تأتي في وقت يتحدث فيه المسؤولون عن "تحسن المؤشرات الاقتصادية" و"زيادة النمو"، بينما الواقع يروي قصة مختلفة تمامًا عنوانها غلاء المعيشة وانسحاق المواطن.
رغيف على صفيح ساخن
الزيادة المرتقبة في أسعار الخبز ليست مجرد حدث اقتصادي، بل مؤشر جديد على انفصال الحكومة عن نبض الشارع. ففي بلد تجاوزت فيه معدلات الفقر 70%، يصبح المساس بسعر الرغيف خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه دون تبعات اجتماعية خطيرة. ومع ذلك، يبدو أن السلطة ماضية في نهجها، غير آبهة بما يمكن أن يترتب عليه من غضب شعبي مكتوم يتغذى يومًا بعد يوم على نار الأسعار التي لا تنطفئ.