في خطوة احتفالية تهدف إلى إبراز الهوية الساحلية لمحافظة السويس، انطلقت في 13 أكتوبر 2025 فعاليات "مهرجان صيد الأسماك الأول"، الذي يستمر حتى 17 من الشهر ذاته. أقيم الحدث على كورنيش السويس الجديد وبرعاية مباشرة من محافظ السويس، اللواء طارق حامد الشاذلي، وبمشاركة واسعة من الصيادين المحترفين والهواة، بالإضافة إلى حضور رسمي وشعبي كبير. ورغم الصورة الإيجابية التي حاولت السلطات المحلية تسويقها، إلا أن تنظيم المهرجان للمرة الأولى في تاريخ مدينة ارتبط اسمها بالبحر والصيد يفتح الباب واسعاً أمام التساؤلات حول عقود من التقصير الحكومي في استغلال ثروات المحافظة وتراثها.


تفاصيل المهرجان: بين الدعاية الرسمية والمشاركة الشعبية


انطلق المهرجان من أمام النصب التذكاري للجندي المجهول على كورنيش السويس الجديد، بحضور حشد من القيادات التنفيذية والأمنية ونواب البرلمان. وشملت الفعاليات مسابقة رئيسية لصيد الأسماك انطلقت من ميناء الأتكة، شارك فيها 18 فريقًا يضمون 138 متسابقًا، واستمرت لمدة 36 ساعة متواصلة في مياه خليج السويس تحت إشراف الاتحاد المصري لرياضة صيد الأسماك.

 

تضمنت الأنشطة المصاحبة عروضًا فنية ورياضية قدمتها فرق من كلية التربية الرياضية بجامعة السويس ومديريات التربية والتعليم والثقافة. كما تم تنظيم معرض لبيع الأسماك بأسعار مخفضة للجمهور، والذي شهد إقبالاً ملحوظًا، في محاولة لتخفيف العبء الاقتصادي عن المواطنين وتحريك سوق السمك المحلي.

 

وقد صرح المحافظ بأن "المحافظة تمتلك كل المقومات التي تؤهلها لتكون من أفضل مدن العالم"، وأن المهرجان يهدف إلى "دعم السياحة الداخلية وتنشيط الاقتصاد المحلي والترويج لهوية السويس". وأعلن عن خطط لجعل هذا الحدث تقليدًا سنويًا يُقام مرتين كل عام.

 

أوجه القصور الحكومي: ما وراء الاحتفالية البراقة

 

على الرغم من الأجواء الاحتفالية، يكشف تنظيم المهرجان الأول في عام 2025 عن أوجه قصور حكومية عميقة ومتجذرة، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:


مبادرة متأخرة تكشف الإهمال: إن وصف الحدث بأنه "المهرجان الأول" في مدينة مثل السويس، التي يمثل البحر "رمز العطاء والرزق والتاريخ لأبنائها" حسب وصف المحافظ نفسه، هو في حد ذاته اعتراف ضمني بإهمال طويل الأمد لهذا الموروث الثقافي والاقتصادي الهائل. فكيف لمدينة بهذه الأهمية التاريخية والجغرافية ألا تحظى بمهرجان يحتفي بهويتها الأساسية إلا بعد كل هذه السنوات؟ هذا التأخير يشير إلى غياب الرؤية لدى الحكومات المتعاقبة في استثمار نقاط القوة الحقيقية للمحافظة.

 

العقبات البيروقراطية أمام الصيادين: جاءت الإشارة الأوضح إلى القصور الحكومي على لسان المهندس محمد قداح، رئيس الاتحاد المصري لرياضة صيد الأسماك، الذي أكد أن "تسهيل إجراءات رحلات الصيد سيكون له عائد سياحي واقتصادي كبير للمحافظة". تصريحه يلمح بوضوح إلى وجود عقبات بيروقراطية معقدة تمنع الصيادين من مختلف أنحاء الجمهورية من ممارسة الصيد في السويس بسهولة، مما أدى إلى ضياع فرص استثمارية وسياحية هائلة على مدى سنوات. اعترافه الشخصي بأنه لم يصطد في السويس إلا مرات نادرة رغم خبرته الطويلة يعكس حجم هذه المشكلة.

 

حلول موسمية لا تعالج جذور الأزمة: يظهر المهرجان كحل دعائي مؤقت وموسمي، وليس كجزء من استراتيجية تنموية شاملة ومستدامة لقطاع الصيد. فبينما يهدف المهرجان إلى "تنشيط الاقتصاد المحلي"، فإنه لا يقدم حلولاً للمشاكل الهيكلية التي يعاني منها الصيادون، مثل ارتفاع تكاليف المعدات، ومحدودية مناطق الصيد، والمنافسة غير العادلة، وغياب الدعم الحكومي المستمر. إن التركيز على إقامة معرض للبيع بأسعار مخفضة يبدو أشبه بمسكن للألم بدلاً من علاج للمرض.

 

هيمنة الأجهزة التنفيذية وغياب المشاركة المجتمعية الحقيقية: أظهرت التغطية الإعلامية هيمنة كاملة من الأجهزة التنفيذية للمحافظة على الحدث، بدءًا من الحضور المكثف للمسؤولين وانتهاءً بالخطاب الدعائي الموحد. هذا النهج "الفوقي" يثير تساؤلات حول مدى تمثيل المهرجان لمصالح الصيادين الحقيقية، وهل تم إشراكهم بشكل فعال في التخطيط والتنظيم أم كانوا مجرد أداة لتنفيذ رؤية حكومية أحادية الجانب.

 

في الختام، يمكن اعتبار مهرجان صيد الأسماك الأول في السويس خطوة إيجابية، لكنها جاءت متأخرة للغاية. نجاح هذه المبادرة على المدى الطويل لا يقاس بعدد المسؤولين الحاضرين أو بالتغطية الإعلامية اللحظية، بل بمدى قدرة الحكومة على تحويل هذا الحدث الاحتفالي إلى نقطة انطلاق لمعالجة المشكلات البنيوية العميقة، وعلى رأسها إزالة العقبات البيروقراطية أمام الصيادين ووضع استراتيجية اقتصادية حقيقية ومستدامة تعيد للسويس مكانتها التي تستحقها كعاصمة للصيد البحري في مصر.