أدانت مجموعة من أبرز المنظمات الحقوقية المصرية والدولية الحكم الصادر بحق المفكر والخبير الاقتصادي الدكتور عبد الخالق فاروق، والقاضي بسجنه خمس سنوات على خلفية مقالاته وآرائه المنتقدة للسياسات الاقتصادية في البلاد، معتبرةً أن الحكم يمثل انتهاكًا صارخًا لحرية الرأي والتعبير، ومؤشرًا جديدًا على تراجع الحريات العامة في مصر.
حكم مفاجئ وسط غياب العدالة
أصدرت محكمة جنح الشروق بالقاهرة الجديدة، في الثاني من أكتوبر 2025، حكمًا يقضي بسجن الدكتور عبد الخالق فاروق لمدة خمس سنوات، بعد محاكمة وصفتها المنظمات الحقوقية بأنها "شابهت مخالفات قانونية وإجرائية جسيمة".
وجاء الحكم دون إعلان رسمي داخل القاعة، إذ غادر القاضي والسكرتير مقر المحكمة دون تلاوة الحكم علنًا، وهو ما اعتبره فريق الدفاع خرقًا فاضحًا لضمانات المحاكمة العادلة التي يكفلها الدستور المصري والمعاهدات الدولية.
ويواجه فاروق تهمة نشر أخبار كاذبة، وهي التهمة الوحيدة التي تم التحقيق معه بشأنها بعد أن استبعدت النيابة العامة الاتهامات المتعلقة بالانضمام لجماعة إرهابية وتمويلها لعدم وجود أدلة، وفق ما أكده فريق الدفاع.
خلفيات القضية وملابسات الاعتقال
ألقت السلطات القبض على الدكتور عبد الخالق فاروق في 20 أكتوبر 2024 من منزله، وأحالته نيابة أمن الدولة العليا للتحقيق في القضية رقم 4937 لسنة 2024 حصر أمن دولة عليا، على خلفية نشره أكثر من 40 مقالًا تناول فيها انتقادات حادة لسياسات الدولة الاقتصادية وأداء الحكومة وعبدالفتاح السيسي.
وخلال فترات احتجازه، كشف فاروق أمام النيابة عن ظروف حبس بالغة السوء، مؤكدًا أنه محروم من الرعاية الصحية، وأنه يقضي ما يقارب 23 ساعة يوميًا داخل الزنزانة، في انتهاك واضح للمعايير الدولية التي تكفل الحق في الحياة والصحة والمعاملة الإنسانية للمحتجزين.
انتهاكات قانونية ومخالفات للمحاكمة العادلة
المنظمات الحقوقية الموقعة على البيان أكدت أن القضية شهدت إخلالًا جسيماً بحق الدفاع، إذ فوجئ محامو فاروق بإحالته إلى المحكمة دون إخطار مسبق، ما حرمهم من الاطلاع الكامل على أوراق القضية، في مخالفة للمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وفي جلسة المحاكمة الثانية، بتاريخ 2 أكتوبر 2025، طلبت هيئة الدفاع تأجيل الجلسة للاطلاع على المستندات وتقديم طلب إخلاء سبيل لموكلهم، لكن المحكمة تجاهلت الطلبات وأتاحت المجال للنيابة العامة للمرافعة، ثم أنهت الجلسة دون إصدار قرار واضح، قبل أن يفاجأ الدفاع بعد يومين بإعلان الحكم بالسجن خمس سنوات.
ردود فعل حقوقية غاضبة
البيان المشترك الصادر عن إحدى عشرة منظمة حقوقية، من بينها المفوضية المصرية للحقوق والحريات، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وصف الحكم بأنه "جائر ومخالف لأبسط معايير العدالة"، وطالب بالإفراج الفوري عن المفكر والخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق دون قيد أو شرط.
وجاء في البيان:
"إن الحكم ضد الدكتور فاروق لا يمثل سوى رسالة تهديد واضحة لكل من يجرؤ على انتقاد السياسات الرسمية أو تقديم تحليل اقتصادي مستقل، ويؤكد استمرار نهج قمع حرية التعبير في مصر."
كما دعت المنظمات إلى تحسين ظروف احتجازه فورًا، وضمان حصوله على الرعاية الصحية اللازمة إلى حين الإفراج عنه، مؤكدة أن استمرار حبسه يشكل خطرًا حقيقيًا على حياته.
سجل سابق من التضييق
ليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها الدكتور عبد الخالق فاروق للملاحقة الأمنية بسبب آرائه. ففي أكتوبر 2018، تم توقيفه عقب نشر كتابه الشهير «هل مصر بلد فقير حقًا؟»، والذي انتقد فيه السياسات الاقتصادية الحكومية وناقش أسباب تفاقم الأزمة المالية في البلاد.
آنذاك، تمت مصادرة الكتاب من المطبعة وتوجيه تهم مشابهة له، قبل أن يُفرج عنه لاحقًا، في واقعة اعتبرها مراقبون نقطة بداية لمسلسل طويل من استهداف الأصوات الفكرية المستقلة.
قمع متصاعد ضد حرية التعبير
بحسب تقارير حقوقية محلية ودولية، تشهد مصر خلال السنوات الأخيرة تراجعًا غير مسبوق في مساحة حرية الرأي والتعبير، مع تزايد حالات الاعتقال بسبب النشر، وتكميم الإعلام المستقل، وفرض رقابة مشددة على منصات التواصل الاجتماعي.
ويأتي الحكم ضد عبد الخالق فاروق كحلقة جديدة ضمن هذه السياسة، ما دفع العديد من الحقوقيين إلى التحذير من اتساع دائرة الاستهداف لتشمل الأكاديميين والباحثين الاقتصاديين، بعد الصحفيين والنشطاء.
مطالب حقوقية عاجلة
المنظمات الموقعة على البيان طالبت بـ:
- الإفراج الفوري وغير المشروط عن الدكتور عبد الخالق فاروق.
- وقف الملاحقات القضائية بحق الكتاب والمفكرين بسبب آرائهم.
- ضمان حق المحاكمة العادلة لكل متهم، وفقًا للمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر.
- تحسين ظروف الاحتجاز وتوفير الرعاية الصحية والإنسانية للمحبوسين على ذمة قضايا رأي.
منظمات موقعة على البيان:
- إيجيبت وايد لحقوق الإنسان
- الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
- لجنة العدالة
- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- مركز النديم
- المفوضية المصرية للحقوق والحريات
- المنبر المصري لحقوق الإنسان
- منصة اللاجئين في مصر
- مؤسسة دعم القانون والديمقراطية
- مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان