في عودة تحمل أكثر من دلالة، برز اسم الخبير الاقتصادي وعضو المكتب السياسي لحزب العدل الدكتور محمد فؤاد مجددًا في المشهد السياسي المصري، بعد فترة من الغياب اختار أن ينهيها بقرار قال إنه جاء بـ"استدراج" من النائب عبد المنعم إمام.
لكن عودته هذه لم تكن عودةً عاطفية أو بحثًا عن موقع، بل بدت أقرب إلى عودة نقدية فكرية لرجل يرى أن "الحياة السياسية معركة تراكمية" لا تخوضها الشعارات بل التنظيم والعمل الحزبي الحقيقي.

فؤاد، الذي اختار بوابة حزب العدل كمنصة جديدة لانخراطه في العمل العام، لم يتأخر في إطلاق سلسلة من الملاحظات القاسية على الواقع السياسي في مصر، موجّهًا سهام نقده إلى هيمنة المال السياسي، وانهيار البنية الحزبية التقليدية، وعجز المعارضة عن طرح بدائل واقعية.
رؤيته تلك تفتح بابًا واسعًا لتشريح أزمة السياسة المصرية المعاصرة التي باتت أسيرة رأس المال والمصالح الضيقة أكثر من الأفكار والبرامج.


 

المال السياسي.. مقبرة الديمقراطية
يتوقف فؤاد مطولًا أمام واحدة من أخطر الظواهر التي تفرغ العملية الديمقراطية من مضمونها: سطوة المال السياسي. وهو وإن كان لا يعتبر المال في حد ذاته أمرًا مجرمًا أو غريبًا عن الممارسة السياسية، فإنه يحذر من تحوله إلى أداة لشراء النفوذ والمناصب، خصوصًا في البرلمان الذي أصبح، بحسب وصفه، "رمزًا للوجاهة الاجتماعية" في نظر الأثرياء.

يقول فؤاد بوضوح إن هناك "حديثًا متداولًا عن تسعيرة لكرسي البرلمان"، وهي عبارة تكفي لتعرية خلل عميق في تكافؤ الفرص السياسية. فحين يصبح مقعد البرلمان متاحًا لمن يملك الثروة لا لمن يملك الكفاءة، تتحول الانتخابات إلى مزاد اجتماعي، وتفقد المؤسسات المنتخبة معناها التمثيلي الحقيقي.

ويحذر فؤاد من أن هذه المعادلة تخلق برلمانًا منحازًا للأغنياء، عاجزًا عن تمثيل الطبقات الوسطى والفقيرة، ما يعمّق فجوة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. فالمال السياسي، في نظره، ليس مجرد فساد انتخابي عابر، بل هو بنية موازية للسلطة تُقصي الكفاءات وتعيد إنتاج نفس النخب المتحكمة في القرار.
 

حزب الوفد.. من بيت الأمة إلى تابع للسلطة
ولأن فؤاد نفسه كان جزءًا من حزب الوفد في وقت سابق، فإن نقده له يحمل شهادة من الداخل أكثر مما هو تحليل خارجي. يقول إن الحزب، الذي كان رمزًا للنضال الوطني، يعاني "مشكلات متراكمة منذ زمن طويل"، وأن الديمقراطية داخله تحوّلت إلى مجرد شعارات.

يروي فؤاد أن فصله من الحزب جاء بعد نشره مقالًا انتقد فيه رئيس الحزب آنذاك، وهو ما يكشف، كما يقول، انعدام تقبل الرأي الآخر داخل الكيان الذي يُفترض أنه بيت الليبرالية المصرية. أما اليوم، فالصورة تبدو أكثر سوءًا مع تعيين رئيس الحزب الحالي عبد السند يمامة في مجلس الشيوخ بقرار رئاسي، وهي الخطوة التي يصفها فؤاد بأنها "صفقة سياسية" لا أكثر، ومكافأة على دورٍ سياسي محسوب لا على تمثيل شعبي حقيقي.
بهذا المعنى، يرى فؤاد أن الوفد فقد استقلاله التاريخي وتحول من قوة معارضة ليبرالية إلى ملحق بالمنظومة الحاكمة، يضفي طابعًا شكليًا على المشهد السياسي دون أن يمتلك تأثيرًا فعليًا أو قاعدة جماهيرية حقيقية.
 

المعارضة.. نصف معركة بلا مشروع
لكن نقد فؤاد لا يتوقف عند مؤسسات السلطة أو الأحزاب التقليدية؛ بل يمتد إلى المعارضة نفسها، التي يرى أنها فقدت قدرتها على تقديم مشروع واضح. وهو، رغم إشادته بشخصيات برلمانية معارضة مثل عبد المنعم إمام وضياء الدين داود، اللذين وصف أداءهما بأنه "ليفل الوحش"، فإنه لا يخفي إحباطه من حالة عامة من القصور الفكري والسياسي.

فالمعارضة المصرية – بحسب فؤاد – تُجيد طرح الأسئلة لكنها تعجز عن تقديم الإجابات. تكتفي بالنقد دون أن تصوغ بدائل اقتصادية أو اجتماعية واقعية يمكن أن تقنع الشارع أو تنافس السلطة في ميدان الرؤى. هذه الفجوة بين التشخيص والعلاج جعلت المعارضة مجرد صدى للغضب الشعبي لا محركًا له، وساهمت في ترسيخ حالة الاستقطاب العقيم التي تُقسم المشهد بين سلطة تبرر كل شيء ومعارضة ترفض كل شيء.
 

رؤية في مرآة الأزمة
من خلال هذه التصريحات، يمكن قراءة موقف فؤاد كدعوة لإعادة بناء الحياة السياسية من جذورها: تنظيم حزبي حقيقي، انتخابات نزيهة، ومعارضة تمتلك مشروعًا لا مجرد اعتراض.
وبين نقد المال السياسي، وتفكك الأحزاب التاريخية، وضعف المعارضة، يرسم فؤاد صورة قاتمة لكنها صادقة للمشهد السياسي المصري، الذي يبدو – في نظره – بحاجة إلى "إصلاح سياسي حقيقي قبل أي إصلاح اقتصادي".