يقضي الطفل محمد خالد جمعة عبد العزيز، البالغ من العمر 15 عامًا، أكثر من سبعة أشهر قيد الاحتجاز داخل قسم شرطة المطرية بالقاهرة، بعد أن تعرض لعملية اعتقال وصفها شهود عيان وأسرته بالعنيفة والصادمة، في مشهد يعكس حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها بعض الأطفال.

محمد، الطالب بالصف الثالث الإعدادي، لم يكن سوى تلميذ متفوق يحلم بالانتقال إلى المرحلة الثانوية، غير أن مسار حياته تبدّل بشكل مأساوي بعد اعتقاله، ليتحول إلى طفل محبوس خلف القضبان، محروم من أسرته ومستقبله، يعاني من حالة نفسية صعبة قد تترك أثرًا بالغًا على حياته لسنوات طويلة.

 

تفاصيل الاعتقال

بحسب ما وثقته “الشبكة المصرية”، داهمت قوة أمنية تابعة للأمن الوطني في 16 فبراير الماضي منزل جدته في منطقة المطرية بالقاهرة، حيث اقتحم أكثر من عشرة أفراد بعضهم ملثمون ومسلحون، المنزل دون إبراز إذن قضائي، وتم اقتياد محمد وسط حالة من الذهول والرعب بين أفراد أسرته وجيرانه، فيما أظهرت كاميرات المراقبة لحظة دخوله في قبضة القوة الأمنية وخروجه برفقتهم.

لم تتمكن الأسرة في البداية من معرفة مكان احتجازه، إذ أنكرت أقسام الشرطة أي علم بمكانه، قبل أن يظهر لاحقًا أمام نيابة أمن الدولة العليا بالتجمع الخامس في 12 مارس الماضي، بعد ما يقارب شهرًا من الاختفاء القسري. وقد أُدرج اسمه في القضية رقم 2801 لسنة 2025 حصر أمن دولة عليا، ووجهت له النيابة تهمًا خطيرة تتعلق بـ “اعتناق أفكار داعشية”، وهو ما نفاه الطفل بشكل قاطع، مؤكّدًا أنه لم يسمع من قبل عن معنى تلك المصطلحات.

 

انتهاكات موثقة

لم يتوقف الأمر عند الاعتقال العنيف، بل صادرت القوة الأمنية هواتف الأسرة وأجهزة الحاسب الآلي واللابتوب من المنزل، دون أي مبرر قانوني. هذا الإجراء زاد من صدمة الأسرة التي كانت لا تزال تعاني من فقدان والد محمد قبل ثلاثة أشهر من اعتقاله، بعد معاناة طويلة مع المرض.

فقدان الأب، ثم الاعتقال المفاجئ، حرما الطفل من السند الأسري والاستقرار النفسي. والأدهى أن حرمانه من أداء امتحانه الأخير في مادة الدراسات بالصف الثالث الإعدادي تسبب في ضياع عام دراسي كامل من عمره، ليزداد شعوره بالضياع والقهر.

 

معاناة نفسية في الحجز

المصادر الحقوقية أكدت أن محمد يعاني من تدهور نفسي حاد جراء ظروف الاحتجاز القاسية، إذ يقبع في حجز غير مهيأ للأطفال، وسط غياب أي رعاية نفسية أو اجتماعية. ويرى مختصون أن مثل هذه الظروف قد تؤدي إلى تشوهات سلوكية طويلة الأمد، خصوصًا أن سن المراهقة هي المرحلة الأشد حساسية في تكوين شخصية الطفل.

 

شهادات الأسرة والجيران

أسرته، التي ما زالت تعيش صدمة فقدان الأب، عبّرت عن قلقها البالغ على حياة ابنها ومستقبله، مؤكدين أن محمد كان طفلًا هادئًا متفوقًا في دراسته، لم يُعرف عنه أي سلوك عدواني أو مخالف للقانون. وأوضح الجيران أن محمد كان يقضي وقته بين المدرسة واللعب مع أصدقائه في الحي، ولم تكن له أي صلة بما وُجّه إليه من اتهامات.

 

مطالب حقوقية عاجلة

طالبت الشبكة المصرية السلطات، وعلى رأسها النائب العام محمد شوقي ووزير الداخلية، بسرعة التدخل لإخلاء سبيل الطفل فورًا، وإنهاء معاناته، وعودته إلى أسرته ودراسته.
وأكدت الشبكة أن استمرار احتجاز القاصرين يمثل انتهاكًا صارخًا للقوانين المحلية والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر، وخاصة اتفاقية حقوق الطفل التي تشدد على حق الأطفال في الحماية والرعاية والتعليم.

كما أدانت الشبكة ممارسات اقتحام المنازل وترويع المدنيين واعتقال الأطفال، مشيرة إلى أن مثل هذه الإجراءات لا تضر فقط بالمعتقلين الصغار، بل تصيب المجتمع بأسره بآثار نفسية واجتماعية قد تستمر سنوات طويلة.