أعلن وزير العمل محمد جبران، أن يوم الخميس المقبل 9 أكتوبر سيكون إجازة رسمية مدفوعة الأجر للعاملين في القطاع الخاص، وذلك بدلاً من يوم الاثنين 6 أكتوبر، احتفالا بذكرى انتصارات السادس من أكتوبر، عيد القوات المسلحة. وأوضح الوزير في تصريح رسمي أن هذا القرار يأتي في إطار توحيد مواعيد الإجازات الرسمية بجميع قطاعات الدولة لتحقيق الأهداف الاجتماعية والوطنية، ولتعزيز روح الانتماء والولاء الوطني لدى المواطنين والعاملين، مع إمكانية تشغيل العامل في هذا اليوم إذا استدعت ظروف العمل ذلك مع دفع أجر مضاعف أو منح يوم بديل وفقًا للقانون.
لكن في الوقت الذي يبدو فيه هذا الإعلان تطورًا إيجابيًا على الورق، فإن الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في مصر تعكس واقعًا مختلفًا تمامًا، يتسم بتراجع كبير في الحقوق والحريات، وعمق الأزمات التي تعصف بالبلاد خصوصًا بعد الانقلاب العسكري الذي وقع في 3 يوليو 2013 بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي.
ما تبقى من انتصار أكتوبر... توغل إسرائيلي وانقلاب عميق
تحل ذكرى انتصار أكتوبر في مصر هذا العام وسط مأساة وطنية وسياسية. فبينما كان "نصر أكتوبر" عام 1973 رمزًا للقوة الوطنية والتماسك المجتمعي، فقد شهدت مصر منذ الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي، تغييرات عميقة هدفت إلى إعادة تشكيل الدولة وفق أجندات كانت في كثير من الأحيان على حساب مصالح الشعب والأمن القومي الحقيقي.
تعاظمت المخاوف من توغل إسرائيل في أعماق الأراضي المصرية، وخاصة في سيناء التي تحولت إلى منطقة شبه محتلة تتعرض لتهديدات أمنية متواصلة، فيما تحول الجيش المصري من حامي الأرض والسيادة الى أداة سياسية واقتصادية تخدم مصالح النظام الحاكم، متخليا عن دوره التقليدي في حماية الوطن. ونجم عن ذلك فساد مستشري، وسيطرة نفوذ رجال الأعمال على مؤسسات الدولة، وفتح الباب أمام بيع الأصول والموارد الوطنية، فيما ما زال المواطن يدفع ثمن هذا الانقلاب الذي أضاع الكثير من مقدرات البلد.
انتقادات للنظام وانقلاب السيسي
الانتقادات واسعة ومتزايدة للنظام الحاكم وانقلاب السيسي، حيث يرى كثيرون أن مصر تفقد أهم مكتسبات العدالة والديمقراطية، وأن الجيش أصبح جزءًا من منظومة استبدادية تحكم البلاد عبر القمع والتضييق، لا عبر حماية الشعب والأرض. الحرب على الحريات والحقوق، وخاصة حرية التعبير والتظاهر، تصاعدت، فيما استخدمت الأجهزة الأمنية ما وصف بـ"القمع المنظم" ضد الناشطين والمعارضين، حيث اعتقل الآلاف وتمت تصفية بعضهم جسديًا.
من جانب آخر، تدهورت الأوضاع الاقتصادية بشكل ملحوظ، زادت فيه الفقر والبطالة، وتعاظمت مظاهر التفاوت الطبقي، ومعظم المشاريع الصناعية والتجارية باتت تحت سيطرة العسكريين والموالين للحكومة، الأمر الذي انعكس سلباً على الطبقات الشعبية التي قلّصت من قدرتها على المشاركة في النصر والتنمية.
الجيش يغير عقيدته
أحد أهم التحولات التي شهدتها مصر خلال السنوات الأخيرة هو التغير في عقيدة الجيش المصري، التي كانت تاريخيًا مبنية على الدفاع عن الأرض والعرض، لتتحول تدريجيًا منذ 2013 إلى الدفاع عن النظام السياسي ومشاريعه الاقتصادية، والقيام بدور حامي للنظام وشرطيه، بدلًا من حامي الوطن.
التقارير تحكي عن عقد اجتماعات سرية لتغيير العقيدة العسكرية، وتحويل ميزانيات هائلة إلى ما وصفته بالمشاريع الاقتصادية العسكرية، وتحول الكثير من القادة إلى رجال أعمال، متناسين واجبهم الوطني، وما يمثله الجيش في ذاكرة الشعوب كرمز السيادة والكرامة. التحركات التي قام بها السيسي تعكس هذا التحول الكبير، منها التفريط في أراضي استراتيجية كجزيرتي تيران وصنافير، وفتح التعاون الأمني الكامل مع إسرائيل بشكل أثار استياء واسعًا.
الخلاصة أن تصريح وزير العمل محمد جبران بإجازة 9 أكتوبر 2025 للقطاع الخاص يُقرأ في سياق مختلف كليًا، في بلد يعاني من صراعات داخلية عميقة بين ما تبقى من رموز النصر الوطني ومفاهيمه التقليدية، وبين نظام قمعي يعمل على إحكام قبضته عبر مؤسسات الجيش وأجهزة الأمن، متخليًا عن جوهر العدالة الوطنية والمقاومة، فيما الشعب مازال ينتظر استعادة كرامته وأرضه، فأين وقف السيسي والجيش من هذا المسار؟ هل سيعود الجيش إلى حماه الأصلي، أم أنه سيرسم لنفسه دورًا مختلفًا كركيزة للنظام الاقتصادي السيئ الذي تُدار به مصر؟ الأيام القادمة تحمل جوابًا لهذه الأسئلة، وستبقى ذكرى نصر أكتوبر محفورة في وجدان المصريين، لكنها اليوم تستوجب وقفة جادة مع الذات، مع محاولة إحياء الإرث الحقيقي لثورة وطنيه لن تُنسى.