تشهد العاصمة المصرية القاهرة اليوم اجتماعًا تفاوضيًا رفيع المستوى بين وفود فلسطينية وإسرائيلية، بمشاركة مصرية وقطرية وأمريكية، في محاولة جديدة لإحياء جهود التسوية السياسية وتطبيق ما بات يُعرف بـ«خطة ترامب» الرامية إلى تحقيق وقف دائم لإطلاق النار وإنهاء الصراع في قطاع غزة.
ويعد هذا اللقاء، الذي يحظى برعاية مصرية مباشرة ودعم من الإدارة الأمريكية، أحد أبرز الاجتماعات منذ تصاعد المواجهات في أكتوبر 2023، في ظل ظروف ميدانية وإنسانية بالغة الصعوبة، وضغوط دولية متزايدة لإيجاد مخرج للأزمة المستمرة منذ عام كامل تقريبًا.
حضور دولي وإقليمي واسع
يشارك في الاجتماع وفد فلسطيني يمثل حركة حماس، التي تُعد الطرف الفاعل ميدانيًا في غزة، إلى جانب وفد إسرائيلي برئاسة وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، وبحضور مسؤولين أمنيين وسياسيين من مصر وقطر. كما يضم اللقاء مبعوثين أمريكيين بارزين، من بينهم ستيف ووتكوف وجاريد كوشنر، اللذان يشرفان على محاور التنفيذ والتمويل وإعادة الإعمار.
ووفق مصادر دبلوماسية، تتركز المباحثات حول أربعة ملفات رئيسية: تبادل الأسرى، الانسحاب التدريجي من غزة، إعادة الإعمار، وضمانات تنفيذ الاتفاق. كما تسعى القاهرة إلى تثبيت هدنة شاملة تُمهّد لمرحلة سياسية أوسع تشمل المصالحة الفلسطينية وإعادة توحيد المؤسسات المدنية والأمنية.
عقبات ميدانية وسياسية
ورغم الزخم الدبلوماسي، تواجه خطة ترامب عقبات عميقة من الجانبين. فعلى الجانب الفلسطيني، ترفض حركة حماس البنود التي تتحدث عن "نزع السلاح الكامل" أو "إعادة هيكلة القطاع تحت إدارة دولية"، معتبرة أن ذلك "يلغي جوهر المقاومة ويعيد إنتاج الاحتلال بغطاء سياسي".
في المقابل، يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انقسامات داخل حكومته اليمينية، حيث يطالب وزراء من التيار المتطرف بمواصلة العمليات العسكرية حتى "تصفية قدرات حماس"، فيما يميل آخرون إلى قبول الخطة الأمريكية بشرط ضمانات أمنية صارمة.
كما تشكل مسألة الضمانات الإقليمية إحدى أكبر المعضلات، إذ تخشى إسرائيل من أي فراغ أمني في غزة، بينما ترفض حماس أي ترتيبات تُقصيها عن إدارة القطاع أو تعيد السلطة الفلسطينية بغطاء دولي دون اتفاق شامل.
المواقف الدولية والإقليمية
ترافق المفاوضات ضغوط متزايدة من المجتمع الدولي، خاصة من الاتحاد الأوروبي والدول العربية، لوقف التصعيد وفتح ممرات إنسانية دائمة. وفي المقابل، تتبنى إيران موقفًا معارضًا لأي تسوية تُضعف حماس أو تُقيد قدراتها العسكرية، في حين تدعم مصر وقطر والولايات المتحدة مسار التفاوض كخيار وحيد لتثبيت الاستقرار ومنع تفجر صراع إقليمي أوسع.
وتشير تسريبات دبلوماسية إلى أن واشنطن تضغط بقوة على الطرفين للقبول بخطة "الانسحاب المرحلي"، تتبعها مرحلة انتقالية لإعادة الإعمار بإشراف دولي. إلا أن مصادر فلسطينية أكدت أن "القبول بأي خطة مشروطة دون ضمان رفع الحصار بالكامل لن يكون مطروحًا".
تفاؤل حذر ومخاوف من الفشل
ورغم أجواء التفاؤل الحذر، يدرك الوسطاء أن الطريق إلى اتفاق نهائي لا يزال طويلاً. فغياب الثقة بين الجانبين، وتعدد الوسطاء، وتضارب المصالح بين القوى الإقليمية، يجعل من الصعب تحقيق اختراق سريع. كما أن استمرار التصعيد الميداني في بعض مناطق غزة يهدد بإفشال أي تقدم سياسي.
ويرى محللون أن الاجتماع الحالي يمثل اختبارًا حقيقيًا للوساطة المصرية، التي تلعب دورًا محوريًا منذ سنوات في ضبط التهدئة، مؤكدين أن نجاح القاهرة في تقريب وجهات النظر سيكون خطوة مهمة نحو إعادة بناء الثقة.
بين الطموح والواقع
في نهاية المطاف، يعكس اجتماع القاهرة إدراكًا دوليًا متزايدًا بأن الحرب في غزة وصلت إلى مرحلة استنزاف لا يمكن استمرارها دون كلفة إنسانية وسياسية باهظة. ورغم الجدل حول "خطة ترامب"، فإنها تظل الإطار الوحيد المطروح حاليًا لوقف شامل لإطلاق النار وإعادة إعمار القطاع المنهك.
لكن نجاحها، كما يرى المراقبون، يعتمد على مرونة الأطراف واستعدادها لتقديم تنازلات مؤلمة، وعلى قدرة الوسطاء — خصوصًا مصر وواشنطن — على تحويل التفاهمات النظرية إلى خطوات ملموسة تفتح الباب أمام تسوية أكثر شمولًا واستقرارًا للمنطقة بأكملها.