تحوّل خطاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أمام الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة إلى ما وصفته الصحافة البريطانية بأنه “آخر فصول المسخرة”.
لم يكن الخطاب مناسبة لإلقاء رؤية استراتيجية للعالم بقدر ما بدا استعراضًا انتخابيًا داخليًا موجهاً لأنصاره في الولايات المتحدة، رغم أنه استغرق ما يقارب الساعة الكاملة أمام المجتمع الدبلوماسي الدولي.
 

هجوم على أوروبا وبريطانيا
من أبرز ما أثار الجدل في خطاب ترامب استخدامه لهجة عدائية تجاه أوروبا، حيث اعتبر أن القارة العجوز “تدمر نفسها” بسياسات الهجرة والطاقة.
الصحف البريطانية توقفت بشكل خاص عند هجومه المباشر على لندن، إذ زعم أن العاصمة البريطانية قد “تخضع للشريعة الإسلامية” تحت عمدة المدينة صادق خان، وهو تصريح وصفته الأوساط السياسية والإعلامية في بريطانيا بأنه غير مسؤول ويعكس نبرة عنصرية واضحة.

الصحافة البريطانية أشارت إلى أن مثل هذه التصريحات تهدد العلاقات عبر الأطلسي، خاصة أن بريطانيا تعد أحد أقرب الحلفاء لواشنطن، وهو ما يجعل لغة التصعيد في هذا المحفل الدولي رسالة سلبية في توقيت دقيق تعيش فيه أوروبا أزمات سياسية واقتصادية.
 

ادعاءات مضللة وتضليل متعمد
صحيفة الغارديان أجرت تحققًا موسعًا من أبرز النقاط التي أوردها ترامب في خطابه، لتخلص إلى أن معظمها يفتقر إلى الأدلة أو يتضمن مبالغات غير واقعية.
من بين الأمثلة التي ذكرتها الصحيفة:

  • زعمه أنه أنهى عددًا من الحروب بينما الوقائع تشير إلى استمرار التوترات في مناطق متعددة.
  • حديثه عن الهجرة بشكل مضخم لا تدعمه الأرقام الرسمية.
  • تسويغه للسياسات الأمريكية في دعم إسرائيل رغم استمرار الحرب في غزة وما خلّفته من آلاف الضحايا المدنيين.

هذه التناقضات، وفق الصحافة البريطانية، كشفت أن خطاب ترامب لم يكن موجهًا للمجتمع الدولي بقدر ما كان يستهدف الرأي العام الداخلي، معتمدًا على شعارات تثير حماس قاعدته الانتخابية.
 

تفاصيل تقنية صارت رموزًا
لم تتوقف التغطية البريطانية عند مضمون الخطاب فقط، بل ركّزت أيضًا على تفاصيل فنية كشفت ضعف التحضير.
صحيفة “الإندبندنت” أشارت إلى أن تعطل جهاز “الأوتوكيو” خلال الخطاب جعل ترامب يتوقف مرات عدة، كما أن مشهد تعطّل السلم الكهربائي في القاعة تحوّل إلى رمز لحالة الارتباك.

ترامب نفسه لم يفوّت الفرصة للعودة إلى مشروعه القديم المتعلق بصيانة مبنى الأمم المتحدة، ملمحًا إلى فساد في عقود المنظمة، وهو ما اعتبرته الصحف محاولة للهروب من المضمون الفعلي إلى قضايا جانبية تثير الجدل.
 

نسف التوافق الدولي حول المناخ والطاقة
واحدة من أخطر الرسائل التي حملها الخطاب كانت رفضه القاطع لقرارات دولية سابقة تتعلق بالمناخ والطاقة الأحفورية.
ترامب أعاد تبني مواقفه القديمة المشككة في جدوى الاتفاقيات المناخية، وهو ما وصفته صحيفة “فايننشال تايمز” بأنه انتكاسة كبرى للجهود العالمية في مواجهة التغير المناخي.

الصحيفة شددت على أن موقف ترامب لا يهدد فقط التزامات الولايات المتحدة، بل قد يشجع دولًا أخرى على التراجع عن التزاماتها، الأمر الذي يفاقم من المخاطر البيئية العالمية.
 

خطاب انتخابي لا دبلوماسي
الانطباع الأبرز الذي خرجت به الصحافة البريطانية يتمثل في أن الخطاب كان أقرب إلى حملة انتخابية داخلية منه إلى موقف رصين في محفل أممي.
صحيفة “التايمز” كتبت أن ترامب لم يقدّم رؤية متماسكة للعلاقات الدولية، بل اكتفى بتكرار شعاراته التقليدية عن “عظمة أمريكا” وتفوقها العسكري، متجاهلًا مسؤوليات بلاده كقوة عظمى تجاه التوازن الدولي.
 

تحذير من التداعيات
خلصت الصحف البريطانية إلى التحذير من أن لهجة ترامب التصعيدية قد تترك تداعيات خطيرة على العلاقات الدولية.
فإلى جانب الإساءة المباشرة للحلفاء الأوروبيين، فإن خطابه يعكس توجهًا انعزاليًا جديدًا قد يعيد الولايات المتحدة إلى مربع التوتر مع شركائها في ملفات استراتيجية كالدفاع والطاقة والأمن العالمي.

وبينما كان من المفترض أن يقدم الرئيس الأمريكي رؤية لبناء تعاون دولي في مواجهة أزمات كبرى مثل الحرب في غزة أو التغير المناخي، بدا خطابه منفصلًا عن الواقع، مليئًا بالتضليل والادعاءات التي تثير الشكوك حول جدية واشنطن في قيادة النظام العالمي.