كشفت تصريحات وزراء في حكومة الاحتلال عن نية صريحة لاقتلاع سكان غزة وفتح الباب أمام تهجيرهم الجماعي. ففي 21 يناير 2025، دعا وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال، إيتمار بن غفير، إلى “تشجيع الهجرة الجماعية من غزة”، مؤكدًا أن من يرفض العيش تحت حكم “إسرائيل” “يمكنه أن يغادر إلى دول أخرى”.
وفي 6 مايو 2025، هدّد وزير المالية في حكومة الاحتلال، بتسلئيل سموتريتش، بأن “غزة ستُدمَّر تمامًا في غضون أشهر”، مشددًا على أنه “لا أمن مع بقاء أكثر من مليوني عربي هناك”.
الردود العربية والدولية على تهديدات الاحتلال
وعلى الصعيد ذاته، تساءل رئيس وزراء حكومة الانقلاب، مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحفي بتاريخ 16 سبتمبر 2025: “ماذا لو تم الضغط على الفلسطينيين ودُفعوا إلى الحدود؟ بالتأكيد، الدولة المصرية لديها الخطط للتعامل مع هذا الأمر”. وتعليقًا على هذا التصريح، قال النائب المصري السابق، عادل راشد: “تم التمهيد للتهجير من خلال ضغط نفسي وميداني شديد على غزة، ليصبح الخيار مقبولًا مقارنة بالإبادة”.
وأشار راشد إلى أن قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي قد أشار إلى صحراء النقب كمكان بديل ضمن صفقة القرن. وتوقع راشد أن يتم تقديم “التهجير” للرأي العام المصري والعربي على أنه خطوة “رحيمة”، بحيث تخرج نفس الجماهير والأقلام ووسائل الإعلام التي رفضته من قبل لتتمجّد قبوله. وأضاف: “هكذا يُراد إظهار التهجير على أنه خيار إنساني يُجنّب الناس الإبادة، بينما هو جزء من مخطط معد مسبقًا”.
التهجير كأداة حرب
من جهته، قال الخبير في القانون الدولي، أنيس قاسم، إن “إسرائيل منذ اليوم الأول اعتمدت مبدأ الإبادة الجماعية وقررت استخدام هذه الأداة بلا تردد أو تراجع”.
وأشار إلى أن هذا ينطبق على الفقرة الثالثة من المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية التي تنص على أن “خلق ظروف تؤدي إلى تدمير المجموعة السكانية تدميرًا كليًا أو جزئيًا هو أيضًا إبادة”.
وكشف تقرير صادر عن “هيومن رايتس ووتش” في يناير 2024 أن أكثر من 90 بالمئة من سكان غزة تعرضوا للنزوح الداخلي مرة واحدة على الأقل بسبب أوامر الإخلاء والقصف العنيف.
وتستخدم سلطات الاحتلال الإسرائيلي عدة وسائل لصناعة النزوح، مثل القصف العشوائي، تدمير المستشفيات والمدارس، قطع المياه والكهرباء، ومنع المساعدات الإنسانية والتجويع.
وفي 7 مايو 2024، أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووكالة “أونروا” في بيان مشترك أن “مئات الآلاف من سكان رفح أُجبروا على مغادرة منازلهم”، مشيرة إلى أن نحو 450 ألف شخص نزحوا خلال أسبوع واحد فقط، بسبب أوامر الإخلاء العسكرية والقصف العنيف.
وفي السياق ذاته، استعرض الباحث الأكاديمي والناشط في العمل الإنساني، عثمان الصمادي، المشهد الإغاثي الحالي في غزة، مؤكدًا أنه محصور في المؤسسات الإنسانية المحسوبة على الولايات المتحدة، والتي تقتصر نشاطاتها على جنوب القطاع. وأشار إلى أن العديد من المنظمات الدولية قد غادرت شمال غزة إلى جنوبها، بينما تم منع المساعدات الطبية الأردنية والخيام من دخول غزة منذ سبعة أشهر.
واستعرض الصمادي أيضًا كيف قام جيش الاحتلال بفتح شارع الرشيد وتدمير ما سواه، بهدف دفع السكان باتجاه الجنوب، مع محاولات تنفيذ فكرة “مدينة غزة الإنسانية” في رفح، التي طرحها الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب. وكل هذه الإجراءات تهدف إلى إفراغ الشمال وجلب السكان إلى الجنوب.
ويرى الدكتور مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، أن الاحتلال الإسرائيلي يعيد تطبيق سيناريو النكبة والنكسة، عبر تدمير ممنهج للمخيمات في الضفة الغربية وقطاع غزة، بهدف اقتلاع السكان وفرض واقع ديموغرافي جديد، ويؤكد أن المشروع الصهيوني يكشف عن وجهه الحقيقي، وأن المطلوب هو وحدة وطنية فلسطينية عاجلة لمواجهة هذا المخطط.
ويشير الدكتور مهند مصطفى، الأكاديمي والخبير في الشأن الإسرائيلي، إلى أن الاحتلال يركّز على مخيمات شمال الضفة باعتبارها معاقل للمقاومة، ويعتبر أن هدف نتنياهو هو القضاء على الحركة الوطنية الفلسطينية، وهو حلم يراوده منذ التسعينيات، ويرى أن خطة التهجير ليست مؤقتة كما يدّعي الاحتلال، بل جزء من مشروع ضم الضفة الغربية بالكامل.
ويؤكد عماد جاد، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن هناك خطة واضحة لتفريغ غزة من سكانها، وأن الضغوط تُمارس على دول الجوار لقبول اللاجئين الفلسطينيين، ويعتبر أن الانقسام بين فتح وحماس يُضعف الموقف الفلسطيني، ويطالب بتشكيل جبهة موحدة لمواجهة هذه التحديات.
ورفض موسى أبو مرزوق، القيادي في حركة حماس، تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول "شراء غزة"، واعتبرها بالونات سياسية لا تستند إلى أي واقع، وشدد على أن المقاومة ستفشل أي محاولة لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم.
مخططات التهجير بين النجاح والفشل
من جهة أخرى، أجاب المحلل السياسي أحمد الحيلة عن فرص نجاح مخططات التهجير، وهل ستنجح هذه الأدوات في فرض التهجير أم أنها ستزيد من تمسك الفلسطينيين بأرضهم؟ بالقول: “إسرائيل تستخدم القصف المكثف وقطع الخدمات و’هندسة التجويع’ كأدوات لفرض التهجير الجماعي على سكان غزة، بهدف دفعهم نحو مصر”. وأضاف أن الفلسطينيين يواجهون هذه المحاولات بصمود استثنائي، حيث يتنقلون بين الأحياء بدلًا من النزوح نحو الجنوب.
وأشار الحيلة إلى أن الموقف المصري والعربي والدولي الرافض للتهجير، مع تنامي عزلة “إسرائيل” سياسيًا واقتصاديًا، يضعف فرص نجاح هذه المخططات.
وكشف المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة أنه حتى 17 سبتمبر 2025، فإن “أكثر من مليون فلسطيني يواصلون الصمود في غزة وشمالها رافضين النزوح القسري جنوبًا”، مقابل نزوح نحو 190 ألف شخص تحت وطأة مخططات إسرائيل للتهجير الدائم.
وأكد الكاتب المختص بشؤون غزة، علي أبو رزق، أن “هذه الحرب المجنونة لا يمكن وقفها إلا بضغط سياسي وشعبي حقيقي متزامن… ضغط يستهدف السفارات الغربية الداعمة للإبادة”.
وشدد على أن “غزة تباد علنًا، والتهجير القسري يتدحرج، بينما يكتفي العالم بالمشاهدة… الإنقاذ الحقيقي يبدأ بفرض وقف العدوان وفك الحصار وفتح المعابر فورًا، بمساعدات مشروطة تُستخدم كأداة للتركيع”.
أبرز وسائل المواجهة:
- الوحدة الوطنية الفلسطينية: ضرورة تجاوز الانقسام السياسي بين الفصائل وتشكيل جبهة موحدة.
- التحرك العربي والدولي: تفعيل الموقف العربي الرسمي والشعبي، والضغط على المجتمع الدولي لرفض التهجير القسري.
- المقاومة الشعبية والإعلامية: توثيق الجرائم، ونقل الرواية الفلسطينية للعالم.
- التشبث بالأرض: تعزيز صمود السكان عبر الدعم الاقتصادي والخدماتي، ورفض الإغراءات أو الضغوط للنزوح.
وأكد الخبير في القانون الدولي، أنيس قاسم، أن “المطلوب من النخب القانونية والسياسية في مختلف دول العالم أن تحمل قياداتها السياسية والحكومات على أن تبدأ حملة لمقاطعة إسرائيل حتى تمتثل للقرارات الدولية،وأضاف : “نريد إجراءات تلجم إسرائيل وتقطع يدها عن هذه الإبادة، والدول العربية ملزمة باتخاذ إجراءات مناسبة”