نشرت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس"، تسجيلًا مصورًا لأسير إسرائيلي يُدعى آلون أوهام، تحتجزه المقاومة في قطاع غزة منذ أكثر من 700 يوم. وجاء بث الرسالة في ظل تصاعد الهجوم العسكري الإسرائيلي الهادف إلى إعادة احتلال مدينة غزة، وسط تكثيف القصف والغارات الجوية والدمار الواسع.

وقد بدا التسجيل معدًّا بعناية ليحمل رسائل متعددة موجهة في آن واحد إلى قيادة الاحتلال الإسرائيلي، والرأي العام داخل إسرائيل، والشعب الفلسطيني، وكذلك المجتمع الدولي.

فقد توجه الأسير في حديثه باللوم إلى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، متهمًا إياه بأنه السبب في استمرار معاناته وبقية الأسرى، كما ناشد المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف بعدم السماح بقتله أو زملائه، داعيًا عائلته والجمهور الإسرائيلي لمواصلة الضغط على الحكومة.

ويدخل هذا المشهد الإعلامي ضمن أدوات الحرب النفسية والسياسية التي تعتمدها المقاومة في مواجهة التفوق العسكري الإسرائيلي. فالرسالة المصورة لم تقتصر على كلمات الأسير، بل حملت في طياتها دلالات ورسائل متعددة تسعى القسام إلى توجيهها في لحظة فارقة من المعركة.

 

 

الرسائل السياسية والإستراتيجية

جاءت الرسالة المصورة لتؤكد أن ورقة الأسرى ما زالت حاضرة بقوة في ميدان الصراع، وأنها أداة استراتيجية لا تقل وزنًا عن العمل العسكري المباشر. فإظهار الأسير بعد أكثر من 700 يوم من أسره يبعث برسالة سياسية واضحة لحكومة الاحتلال بأن محاولات تغييب ملف الأسرى أو تجاهله لن تُفلح، وأن مصير هؤلاء الجنود سيبقى رهينة قرارات القيادة الإسرائيلية.

ويؤكد إقحام اسم نتنياهو بشكل مباشر في خطاب الأسير على رغبة القسام في تحميله شخصيًا المسؤولية عن فشل التوصل إلى أي تسوية. فالرسالة لم تكن مجرد تسجيل شخصي بل أداة اتهام سياسية موجهة إلى رأس الهرم الإسرائيلي، في وقت يعاني فيه من أزمة شرعية داخلية.

كما أن توجيه الحديث إلى المبعوث الأمريكي يعكس بعدًا دوليًا للرسالة. فالأسير يناشد واشنطن لوقف دعمها غير المشروط لنتنياهو، ما يعني أن “القسام” تسعى لإحراج الولايات المتحدة أمام الرأي العام، من خلال إظهار أنها شريك مباشر في استمرار معاناة الأسرى.

وفي النهاية؛ فإن الرسالة السياسية تحمل مضمونًا مزدوجًا، فهي من جهة تعزز صورة “القسام” باعتبارها صاحبة اليد العليا في ملف الأسرى. ومن جهة أخرى؛ تفضح الانقسام والتردد في الموقف الإسرائيلي الرسمي، لتقول للجمهور إن من يطيل أمد المعاناة هم قادتكم السياسيون، لا المقاومة.

 

الرسائل الموجهة إلى الداخل الإسرائيلي

الجانب الأبرز في المقطع المصور هو استثمار “القسام” لخطاب الأسير نفسه، ليكون شاهدًا من داخل المجتمع الإسرائيلي على إهمال حكومته له ولزملائه. حين يقول أوهام إن الأسرى تحولوا إلى عبء، فهذا يعكس بوضوح ما تريد “القسام” تأكيده، من أن حكومة نتنياهو ترى في هؤلاء ورقة ثقيلة ترغب بالتخلص منها بدلًا من استردادها.

وتمثل إشارة الأسير “أوهام” إلى معاملة شرطة بن غفير للمتظاهرين الإسرائيليين على أنهم “مجرمون” إسقاطًا مباشرًا على واقع الاحتجاجات الداخلية. فالرسالة تريد أن تقول إن القمع الممارس ضد الإسرائيليين أنفسهم لا يختلف في جوهره عن القمع الممارس ضد الفلسطينيين، وإن القيادة الحالية تهدد استقرارهم جميعًا.

أما نداء الأسير لعائلته وللشعب الإسرائيلي بالاستمرار في الضغط على الحكومة؛ فيبرز هدفًا آخر، يتمثل في أن “القسام” تحاول تحويل مأساة الأسرى إلى أداة لتوسيع الانقسام الداخلي وزيادة الضغوط الشعبية على القيادة، في خطوة محسوبة لزعزعة الجبهة الداخلية التي تعاني أصلًا من الشرخ السياسي والاجتماعي.

وبذلك؛ فإن الرسالة ليست مجرد تسجيل دعائي، بل أداة لبث الاضطراب في صفوف المجتمع الإسرائيلي. فظهور أسير يتحدث بهذه الطريقة يزرع بذور الشك والخوف لدى عائلات الجنود، ويعزز فكرة أن الحكومة غير قادرة على استعادة أبنائها أو حتى حمايتهم، وهو ما يشكل ضربة نفسية قوية في معركة الإرادة.

 

الرسائل الموجهة إلى الشعب الفلسطيني

على المستوى الداخلي الفلسطيني؛ تعكس الرسالة إصرار القسام على إظهار قوتها وقدرتها على الاحتفاظ بالأسرى رغم شراسة الهجوم الإسرائيلي. فبث المقطع من “قلب مدينة غزة” ليس تفصيلًا تقنيًا، بل رسالة رمزية بأن المقاومة ما زالت صامدة ومتماسكة، وأن محاولات الاحتلال لاختراقها باءت بالفشل.

إلى جانب ذلك؛ فإن التأكيد على أن الأسرى الإسرائيليين يعيشون ظروف المقاتلين أنفسهم يهدف إلى إظهار “المعادلة الأخلاقية” التي تسعى “القسام” لتسويقها، فبينما يترك الاحتلال أسراه لمصير مجهول، فإن المقاومة تحافظ عليهم في قلب المعركة، وهي مقارنة تعزز سردية “الإنسانية” مقابل “الوحشية” التي يريد الاحتلال إلصاقها بالفصائل.

وأخيرًا؛ فإن عرض الأسير بهذه الطريقة وسط مشاهد الحرب والدمار يهدف إلى كسر الصورة النمطية التي يحاول الاحتلال ترويجها عن “سيطرته” على الميدان، ويخاطب الفلسطينيين لتعزيز صمودهم، ويخاطب العالم ليؤكد أن المقاومة قادرة على فرض أجندتها الإعلامية والسياسية، حتى في أكثر الظروف قسوة.