مع اشتعال الحرب في غزة وتجدد العمليات العسكرية في سبتمبر 2025، ومع بدء الاجتياح البري لمدينة غزة المحاصرة، تتزايد المخاوف داخل الشارع المصري من موجة جديدة في ارتفاع الأسعار وزيادة الإنفاق العسكري التي ستثقل كاهل المواطن.

الحرب التي أعادت سيناريوهات التهاني الأمنية والسياسية على طاولة الحُكم تأتي في وقت لا تزال فيه مصر تواجه ضغوطاً مالية كبيرة نتيجة خفض دعم الطاقة وإصلاحات صندوق النقد الدولي، ما يطرح سؤالاً مباشراً: من سيدفع ثمن هذه الحسابات؟.

 

خطر خفض الدعم ورفع أسعار الوقود

في 10 أبريل 2025 أعلنت حكومة الانقلاب زيادة أسعار المنتجات البترولية بنسب وصلت إلى نحو 15% في بعض البنود، كجزء من خطة تقليص الدعم تنفيذاً لشروط برامج التمويل الدولية.

مثل هذه الزيادات لا تبقى محصورة في محطة البنزين؛ ارتفاع أسعار المواصلات، تكاليف النقل اللوجيستي، وأسعار السلع الغذائية ترتفع تلقائياً، ما يضرب قدرة الأسر ذات الدخل المحدود على التأقلم، والتهديد بزيادات إضافية في أكتوبر 2025 أُشير إليه علناً من قبل مصادر حكومية، ما يزيد قلق المواطنين.

 

اجتياح غزة

يبدي خبراء اقتصاد في مصر مخاوفهم من توسيع إسرائيل دائرة المواجهة العسكرية، التي امتدت لخمس دول عربية، والإصرار على تهجير أهالي غزة، بما يمثل كارثة اقتصادية جديدة، قد تدفع مصر إلى توجيه إمكاناتها البشرية والمادية إلى تمويل برامج التسليح وزيادة الإنفاق العسكري، بما يضغط على كل الأنشطة الاقتصادية بالدولة، وكذا على موارد النقد الأجنبي.

وقال خبير التمويل والاستثمار رشاد عبده، إن توسيع دائرة العدوان الإسرائيلي على غزة واجتياحها بريا أمس وامتداد العدوان إلى لبنان واليمن وإيران وسورية وقطر، وامتداد تهديداته أخيرا على لسان رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لكل من العراق ومصر وتركيا، تؤثر على منظومة الحياة في المنطقة بالكامل، وتصيب الاقتصاد المصري في مقتل.

وأكد أن الخسائر ستزداد في الفترة المقبلة، لاستمرار حالة الصراع الجيوسياسي، وتطور الأطماع الإسرائيلية ليمثل شبح طرد نحو 1.5 مليون فلسطيني من أرضهم نحو مصر، خطورة على كل الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في مصر.

أوضح خبير التمويل والاستثمار أن العدوان الإسرائيلي زاد من الأعباء الاقتصادية على المواطن المصري، الذي أصبح يعاني من زيادة الأسعار، جراء ارتفاع الشحن البحري الذي يأتي بنحو 90% من احتياجات المصريين من الغذاء والواردات الصناعية والنفطية، بالتوازي مع زيادة رسوم التأمين والنولون، على الشحنات كافة، والتي لم تتراجع بنسب ما قبل الحرب، رغم الهدوء النسبي في الممرات المائية، على مدار الأشهر الماضية.

 

زيادة الإنفاق العسكري

حكومة الانقلاب المصرية، في أعقاب توترات المنطقة، عززت دور الجهات العسكرية الاقتصادية وسُجّلت عقود واستحواذات وصفقات استيراد كبيرة أُسندت إلى جهات مرتبطة بالجيش في 2024–2025.

هذا التوسع العسكري-الاقتصادي يقود إلى تخصيص موارد أكبر للدفاع والشراء والاحتياط، على حساب الإنفاق الاجتماعي، مما يفاقم الضغوط على ميزانية الدولة ويقلّص هامش الدعم للفئات الضعيفة.

أحدث بيانات مؤسسات التمويل تبيّن أن بند دعم الطاقة ظل ثابتاً كمصدر ضغط على الموازنة رغم محاولات تخفيضه تدريجياً.

ويبدي عبده مخاوفه من أن تضطر الدولة إلى توجيه موارد مالية ضخمة بالدولار للإنفاق على التسليح، لمواجهة التهديدات التي يطلقها نتنياهو، بدلا من توفير تلك الأموال لتحسين الاقتصاد والمعيشة الصعبة التي يحياها المصريون، بسبب تدهور الجنيه وزيادة التضخم وارتفاع قيمة الواردات.

ولفت إلى أنه رغم تأثير حالة الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي، فإن التمويل السخي بالمال والسلاح الذي تقدمه الولايات المتحدة والدول الداعمة للاحتلال، يعوضها عن تلك الخسائر، بينما تقلل حالة العدوان على غزة، من قدرة مصر على تدبير الدولار، وتربك كل القطاعات الإنتاجية، خاصة أن الحكومة تنشط الاقتصاد الريعي، الذي يعتمد على موارد هشة، كالسياحة وخدمات المرور بقناة السويس، والتعهيد والعقارات، وتحويلات المصريين بالخارج، واعتماد المشروعات الصناعية والزراعية، على استيراد مستلزمات الإنتاج من الخارج.

 

كيف يتأثر المواطن؟

الأسر المصرية ستواجه ثلاث قنوات رئيسية لزيادة الضغوط:

(1) تكلفة النقل والطعام نتيجة زيادات الوقود

(2) تضخم أسعار الكهرباء إذا قررت الحكومة تخفيض دعم الطاقة بشكل أكبر أو إعادة جدولة التعريفات

(3) انخفاض الدعم الاجتماعي أو تحويل الإنفاق من الصحة والتعليم إلى بند الطوارئ والإنفاق العسكري.

حجج حكومة الانقلاب حول «ضرورة الإصلاحات» تأتي مصحوبة بتقارير صندوق النقد وصُنّاع قرار يؤكدون أن تخفيض الدعم ضروري لتحقيق الاستقرار الخارجي — لكن ثمن الاستقرار يدفعه الفقراء أولاً.

 

ارتباط البنزين والكهرباء بالسياسة

قرار رفع أسعار البنزين الذي طُبّق في أبريل 2025 وتهديد زيادات لاحقة يُنظر إليه كجزء من حزمة إصلاحية مفروضة جزئياً من قبل الممولين الدوليين.

أما الكهرباء، فالحكومة أعلنت في سبتمبر 2025 أنها «لا تخطط حالياً لرفع الأسعار» لكنه تصريح مرحلي لا يقطع الباب أمام زيادات قادمة مع تدهور الأوضاع الإقليمية أو ارتفاع فاتورة الاستيراد للطاقة والوقود.

بالتالي المواطن في موقف ترقّب دائم: تحرّكات سوقية وسياسية قد تُترجم إلى تآكلات متكررة في الدخل الحقيقي للأسر.

 

أسباب جوهرية: لماذا يتجه النظام لهذا المسار؟

هناك تفسيران مترابطان:

الأول سياسي: أي استراتيجية النظام لتعزيز دوره الأمني والعسكري لمواجهة مخاطر إقليمية وحفظ نفوذه الداخلي.

والثاني اقتصادي: محاولة الحكومة لخلق مساحة مالية بالتقليل من دعم الطاقة وبيع أصول، بما في ذلك شركات مملوكة للدولة أو ذات صلة بالجيش، لتعزيز الإيرادات.

المشكلة أن هذه المعالجات قصيرة النظر تقضي على شبكات الأمان الاجتماعي وتفاقم عدم المساواة.

 

من يتحمّل العبء؟

المواطن العادي هو من سيدفع الثمن المباشر: ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ضعف القدرة الشرائية، وضغط أكبر على الصحة والتعليم، بديل ذكي كان يجب أن يتضمن حماية للفئات الضعيفة (استهداف أفضل للدعم)، مراجعة شبكات الإنفاق العسكري اقتصادياً، وضوابط شفافة على صفقات الاستيراد والمنح، بدلاً من اتخاذ قرارات قصوى تُرفع بها الفواتير على شريحة واسعة من الشعب.

إذا استمرّ المسار الحالي مع اشتداد التوتر الإقليمي، فثمن الاستقرار السياسي سيكون عالياً وموزعاً لا عدالة فيه، وسيكون البقاء على حساب المواطن.