تمر مصر اليوم بمرحلة حرجة مع تصاعد حدة القمع الأمني والقتل خارج القانون، حيث رصد مركز النديم خلال أغسطس 2025 وقوع 20 حالة قتل على يد قوات الأمن، إضافة إلى سجل مظلم من قتل وتعذيب ناشطي حقوق الإنسان والمعتقلين السياسيين مثل خالد سعيد وسيد بلال وأيمن مسلم وأسامة فرج.
في ظل هذه الأوضاع، يثور الجدل حول ما إذا كانت هذه الانتهاكات الأمنية ستفضي إلى ثورة جديدة ضد حكم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي الذي يواجه معارضة شعبية متزايدة.
موجة الوفيات.. مؤشر أم استثناء؟
في أغسطس الماضي رصدت منظمات مجتمع مدني وحقوقية حالات متكررة لوفاة معتقلين ومشتبه بقتلهم أثناء الاحتجاز أو مباشرة بعد اعتقالهم، وهو نمط يعود إلى ما بعد ثورة 2011 ويتكرر في فترات تصاعد القمع.
المنظمات الحقوقية تقول إن هذه الوفيات ليست حوادث معزولة بل جزء من أزمة أكبر في منظومة إنفاذ القانون والاحتجاز بمصر.
يرى السياسي المصري البارز والمحلل علاء الأسواني أن "نظام السيسي رغم قبضته الأمنية الحديدية، لا يستطيع قتل كل معارض، والثورة حية في وجدان الشعب، والظروف الاقتصادية والأمنية تدفع نحو انفجار ثوري جديد".
كذلك يرى المركز العربي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن "تصاعد القتل الأمني واختفاء الحقوق المدنية يشكلان بيئة خصبة لاتساع دائرة الاحتجاج والمواجهة".
خالد سعيد علامة بارزة
لنقف عند بداية سرد طويل: خالد سعيد الذي توفي في 6 يونيو 2010 بعد تعرّضه للتعذيب على يد عناصر شرطة، أصبح رمزاً لغضب شعبي أيقظ حراك 2011، هذه الحوادث التاريخية تثبت أن قضية وفيات المعتقلين ليست قضية جديدة بل مشكلة متجذّرة في ممارسة الأجهزة الأمنية.
أرقام ورسائل من التقارير.. مدى اتساع الظاهرة
مؤسسات دولية ومحلية وثّقت أرقاماً لافتة وتقارير منظمة العفو وملفاتها أمام الأمم المتحدة، ذكرت فشلاً في التحقيق في عشرات وحتى مئات الوفيات في الاحتجاز؛ إحدى تقارير العفو أشار إلى فشل التحقيق في ما لا يقل عن 188 حالة وفاة في أماكن الاحتجاز قبل مراجعة 2025.
ومنظمة هيومن رايتس ووتش وثّقت حالات إعدام خارج إطار القانون وعمليات قتل مشتبه بها من جانب قوات الأمن خلال 2025.
هذه الأرقام، حتى لو اختلفت مصادرها، تُظهر نمطاً متكرراً من الإفلات من المحاسبة.
من خالد سعيد إلى أيمن مسلم وأسامة فرج
الأسماء التي يذكرها المجتمع المدني، خالد سعيد، سيد بلال، وأسماء أحدث، ليست مجرد معلومات، بل شهادات عائلات وأقارب وأوراق طبية وقضايا قُدمت لحقوقيين، وسط الرقابة والتهديد، ينجز النشطاء تسجيل هذه الحوادث، في حين تتعامل الجهات الرسمية بتجاهل أو إنكار أو تصريحات متباينة لا تترجم إلى تحقيقات شفافة.
الأمر يترك السؤال: لماذا لم تقِم الدولة بمحاكمات أو تحقيقات مستقلة؟
لماذا يستبدّ الإفلات من العقاب؟
- سياسة الأمن أولاً: بعد 2013، صارت سياسة مكافحة الإرهاب مطية لتوسيع صلاحيات أجهزة الأمن، وحقوقيون يؤكدون أن هذا التبرير سهّل استخدام القوة بحدود ضبابية.
- ضعف آليات التحقيق القضائي: غياب تحقيقات مستقلة وقصور في عمل النيابة العامة والمحاكم يعني أن ملفات الوفيات تُطهى داخل منظومة واحدة.
- تضييق على المجتمع المدني والإعلام: ملاحقات منظمات ومنع تمويل وتضييق على الصحافة يكمّان أصوات الشهود ويصعّب توثيق القضايا.
هل يمهّد القمع لثورة جديدة؟
تاريخيًا، كانت حوادث قتل أو تعذيب ناشطين ومعتقلين مثل خالد سعيد شرارة لثورات حقيقية، وما شهدته مصر في العقد الماضي يشهد على هذا.
مع ذلك، يرى بعض المحللين أن الثورة قد لا تندلع فجأة، بل ستتطور من احتجاجات عمالية وفئوية عبر تفجر غضب اقتصادي واجتماعي تترافق مع تصاعد الانتهاكات الأمنية.
منظمات كبرى ترى أن الظرف الآن ليس هو نفسه 2010–2011؛ رغم أن الوفيات والاعتقالات تثير غضباً شعبياً، هناك عوامل معاكسة: تشديد الأجهزة الأمنية، شبكات مراقبة واسعة، ضغوط اقتصادية تدفع كثيرين إلى التحوّل باتجاه البقاء وحماية سبل العيش بدل الاحتجاج.
لذا الخبراء يقولون إن سلسلة الوفيات قد تزيد الاحتقان وتغذي غضباً متصاعداً، لكنها ليست بالضرورة كفيلة باندلاع ثورة منفردة دون عاملٍ محفّز آخر، أزمة اقتصادية كبرى، انقسام داخل المؤسسة العسكرية، أو موجة احتجاجات منسقة.
الحظوظ قائمة لهذا السيناريو مع استمرار القمع وتردي الأوضاع، خصوصًا مع ازدياد عزل النظام داخليًا وخارجيًا.
تحذير من العواقب السياسية والاجتماعية
نشطاء وخبراء مصريون، منهم من خاض تحقيقات في قضايا التعذيب والحبس الانفرادي، يحذرون من أن استمرار سياسات الإفلات من العقاب ستُضعف ثقة الجمهور بالدولة وتغذي حلقات انتقام اجتماعي أو انفجار احتجاجي عند نقطة تحوّل.
السؤال السياسي البسيط: هل تريد الدولة الاستمرار بسياسة الأمن فوق القانون أم إصلاح منظومة العدالة لتفادي انفجار داخلي؟ الحل الواضح لدى الخبراء والمنظمات الحقوقية: فتح تحقيقات مستقلة في وفيات الاحتجاز، إنشاء آليات مساءلة حقيقية، وحماية عمل المنظمات والصحافة.
دون ذلك سيبقى المشهد متفجراً تحت الرماد، وفي كل مرة تظهر ناموسة جديدة تُذكر المجتمع بتاريخ خالد سعيد، وستبقى الإجابة السياسية مَعلّقة.