في تصريحات حديثة لرئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي، أثار تحذير قوي من مخاطر جفاف ممتد في مصر، مشيرًا إلى أن الوضع قد يصل إلى أزمة شبيهة بما ورد في القرآن الكريم في عهد سيدنا يوسف عليه السلام.

وقال مدبولي في 15 سبتمبر 2025: "لو حصل فترات جفاف في مصر زي اللي في عهد سيدنا يوسف هنكون في أزمة حقيقية"، في إشارة إلى جفاف دام لسنوات عدة كما ورد في النص القرآني، محذرًا من أن مصر تواجه تحديًا مائيًا كبيرًا قد يمتد لسبع سنوات متتالية وهو ما يمثّل خطرًا وجوديًا على البلاد.

هذا التحذير يأتي في ظل أزمة مائية متفاقمة تفاقمت بفعل عدة عوامل داخلية وخارجية، أبرزها تعنت إثيوبيا في ملف سد النهضة الذي يخفض الحصص المائية لمصر، وزيادة عدد السكان، وتغير المناخ العالمي الذي أثر سلبًا على معدلات الهطول المطري والمصادر المحلية للمياه.

 

هاني سويلم يتحدث عن رفع أسعار مياه الشرب وتأجيلات متكررة

في حديثه خلال ندوة حول التحديات المائية في مصر، أكد وزير الموارد المائية والري هاني سويلم بحكومة الانقلاب في سبتمبر 2025 على توقع زيادة مرتقبة في أسعار مياه الشرب خلال الفترة المقبلة، مستندًا إلى ارتفاع تكاليف الصيانة وإدارة الموارد.

وأوضح سويلم أن الحكومة أجلت هذه الزيادة أكثر من مرة لتخفيف الأعباء الاقتصادية عن المواطنين الذين يعانون بالفعل من ظروف معيشية صعبة.

وقال أيضًا: "طول ما المياه ملهاش سعر، لن يكون هناك ترشيد في الاستخدام"، مؤكدًا أن التسعير سيكون فقط لتغطية تكاليف التشغيل والصيانة دون المساس بالمزارعين الصغار.

 

أرقام صادمة.. مصر على خط الشح المائي

مع حلول عام 2025، تواجه مصر ما يعرف بـ"الندرة المطلقة" في المياه، حيث من المتوقع أن تنخفض حصة الفرد من المياه إلى أقل من 500 متر مكعب سنويًا، وهو مستوى خطير جدًا بحسب دراسات وزارة الموارد المائية والري ومنظمات دولية.

وأكثر من 97% من مصادر المياه المتجددة في مصر تأتي من خارج حدودها، الأمر الذي يجعل مصر تعتمد بشكل شبه كامل على نهر النيل الذي يتعلق به ملف سد النهضة بشكل مصيري.

تشير حكومة الانقلاب إلى أن مصر تعاني عجزًا مائيًا يصل إلى حوالي 21 مليار متر مكعب سنويًا، ويدفع ذلك لاستيراد أكثر من 60% من احتياجاتها الغذائية، بتكلفة تتجاوز 10 مليارات دولار.

 

الجفاف وتأثيره على الزراعة والاقتصاد

يعترف وزير الري هاني سويلم ضمنيًا أن ندرة المياه تقف عائقًا رئيسيًا أمام استصلاح وزراعة الصحراء بالقمح، وهو حلم حكومي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء.

هذا الاعتراف جاء خلال ندوة حديثة قال فيها: "ندرك أن ندرة المياه لا تمكننا من زراعة الصحراء بالقمح، لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مصر."

وتشير الأرقام إلى أن نحو 14.5% من الناتج المحلي الإجمالي في مصر لعام 2020 جاء من قطاع الزراعة، الذي يوظف نحو ربع السكان، مما يضع قطاعًا واسعًا من الاقتصاد والعمالة تحت تهديد كبير من أزمة المياه.

 

أسباب الأزمة المائية

تغذي الأزمة المائية في مصر سياسات حكم السيسي التي فشلت في مواجهة التحديات الحقيقية للبلاد، تجاهل التهديدات البيئية، ضعف التفاوض في قضية سد النهضة، والتوسع العمراني من دون تخطيط مائي صحيح، كلها عوامل ساهمت في تعميق الأزمة.

بالإضافة إلى ذلك، ضعف الاستثمار في تحديث شبكات المياه، والتأجيل المتكرر لرفع تكلفة مياه الشرب بسبب مخاوف الضغط الشعبي يعكس عدم وضع سياسات مستدامة لمعالجة المشكلة بطريقة جذرية، كما أن الفساد وضعف إدارة الموارد يزيدان من تعقيد سياسات المياه في البلاد.

 

تصريحات سياسية واقتصادية حول الأزمة

صرح مدبولي في لقاء مع رؤساء التحرير في أغسطس 2025 إن "التحدي الوحيد في ملف سد النهضة هو إذا حدث جفاف ممتد"، مما يعكس قلقًا عميقًا لكنه لا يقدم حلولًا استراتيجية حقيقية.

كما أشار هاني سويلم أشار مرارًا إلى ضرورة تطبيق مبادئ الحوكمة في إدارة المياه وإشراك المجتمع في هذا الملف الحيوي، مؤكدًا على إصدار قانون الموارد المائية رقم 147 لسنة 2021 ولائحته التنفيذية، لكنها إجراءات لم تنجح حتى الآن في وقف تفاقم الأزمة.

في منتصف 2024، أكدت مصر وجود عجز مائي يقدر بنحو 54 مليار متر مكعب، مع خطة تعويض جزئي لهذا العجز من خلال مشاريع واستصلاحات محدودة ومكلفة، لا تزال بعيدة عن الحل الشامل.

 

أزمة مائيه مهددة للاستقرار الوطني

تؤكد الأرقام والتصريحات الرسمية أن مصر على أعتاب أزمة مياه حادة قد تُشبه ما وصفتها الحكومة بفترات "جفاف يوسف"، وهو تحذير يحاول النظام استخدامه لتبرير سياسة رفع الأسعار وتقنين الاستهلاك، لكنه يكشف أيضًا عن استعدادات غير كافية لمواجهة الأزمة الحقيقية.

حكومة الانقلاب تحت حكم السيسي تظهر ضعف إدارة حقيقي، إذ تستعين بخطابات درامية من دون حلول استراتيجية، وتتجاهل تأثيرات السياسات الاقتصادية الاجتماعية على المواطن البسيط خاصة في ظل رفع أسعار المياه المتوقع.

في ظل هذه المعطيات، تتزايد الحاجة الملحة لتغيير جذري في سياسة إدارة الموارد الطبيعية، وفهم شامل وعميق لأزمة المياه التي تصاعدت خلال السنوات الماضية، والتي أصبحت تهدد الأمن القومي والاقتصادي والاجتماعي لمصر.