أظهر تقرير رسمي صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء تراجع عدد الشركات المملوكة للدولة من 709 شركات في أغسطس 2024 إلى 561 شركة في أغسطس 2025، أي بانخفاض بلغ 148 شركة أو ما يعادل 20.9% خلال سنة واحدة.
هذا الانخفاض المفاجئ يطرح تساؤلات حول سياسات التخارج الحكومي، شفافية الإجراءات، وأثرها على العمالة والخدمات العامة.
بحسب بيانات التقرير، كانت الدولة تمتلك 709 شركات موزعة على جهات حكومية عدة في أغسطس 2024، بينها شركات خاضعة لوزارة قطاع الأعمال العام وهيئات حكومية أخرى، بينما أظهرت حصيلة أغسطس 2025 ملكية الدولة لـ 561 شركة فقط.
لم يوضح التقرير بالكامل كيفية اختفاء الشركات؛ هل نتيجة بيع، دمج، تصفية، أو إعادة تصنيف إحصائي؟
يلفت التقرير أيضاً إلى أن نسبة الشركات الخاسرة والربحية تختلف وأن القوائم المالية لعدد منها لا تزال تحت المراجعة.
أسباب محتملة للتراجع
تفسيرات رسمية وغير رسمية تربط التراجع بسياسة الحكومة في تطبيق "وثيقة ملكية الدولة" التي تستهدف تصغير دور الدولة في بعض القطاعات وبيع حصص أو إدراج شركات في البورصة، بهدف جذب استثمارات دولية وتحقيق التزامات مع مؤسسات دولية كصندوق النقد.
لكن مراقبين يرون أن التعجيل في التخارج، دون خارطة طريق واضحة، قد يخفي عمليات نقل أصول إلى جهات شبه حكومية أو تابعة للجيش.
يُذكر أيضاً تأثير الضغوط الخارجية والأزمة الاقتصادية العالمية وأهداف لزيادة سيولة الخزينة.
تعتمد الحكومة المصرية خلال حكم السيسي سياسة تقليص حجم القطاع العام، بحجة خفض البيروقراطية والإنفاق الحكومي، ورفع كفاءة الجهاز الإداري.
رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي أشار في تصريحات سابقة إلى أن 70% من القوة الوظيفية في القطاعين الحكومي والعام "زائدة عن الحاجة" وأن الدولة لا تحتاج إلى أكثر من 30% من الهيكل الإداري الحالي، ومن ثم جاءت سياسة الإحالة إلى التقاعد والتخارج من بعض الشركات الحكومية كسياسات رسمية.
كما كشف استطلاع اقتصادي أجرته جريدة حابي في 2025 عن وجود توقعات بتسارع وتيرة التخارج الحكومي من الشركات المملوكة للدولة، فـ 52.5% من المشاركين توقعوا تسارع التخارج.
حكومة الانقلاب تهدف إلى تخارج أصول مملوكة بقيمة 3.6 مليار دولار في العامين الماليين 2024/2025، ضمن خطة تشمل بيع 200 شركة من أصل 700 شركة مسجلة، لكن هذا التخارج لم يؤد إلا إلى تقليص عدد الشركات الحكومية دون توفر بدائل تنموية واضحة.
انعكاسات اقتصادية واجتماعية
اختفاء 148 شركة قد يعني فقدان مئات آلاف الوظائف بشكل مباشر أو غير مباشر، وتهديداً للخدمات التي تقدمها هذه الشركات للمجتمعات المحلية، خاصة في المحافظات.
كما يثير الأمر مخاوف من ضعف شفافية الصفقات، انخفاض المنافسة في أسواق احتكرتها الدولة سابقاً، وارتفاع نفوذ جهات أخرى على اقتصاد حيوي.
محللون يحذرون من أن التخارج العشوائي قد يزيد الفقر ويقوض قدرة الدولة على إدارة قطاعات استراتيجية.
تدهور قطاع الشركات الحكومية
وفيما يتعلق بالقوى العاملة في القطاع العام، انخفض عدد العاملين بنسبة 6.5% خلال عام 2024 ليصل إلى 620.1 ألف عامل مقارنة مع 663.3 ألف عامل في 2023، حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
هذا التراجع العمالة مرتبط بوقف التعيينات في القطاع الحكومي، حيث تم تقليص التوظيف بشكل صارم وفقًا لقانون الخدمة المدنية بوضع قيود على التعاقدات الجديدة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد بموافقة رئيس الوزراء.
محمد جبران وزير العمل في تصريحات عام 2025 أكد أن التعيينات الحكومية توقفت مؤقتًا مع الاعتماد على الاحتياج الفعلي في التوظيف، مشيدًا بانخفاض معدل البطالة من 14% عام 2014 إلى 6.1% حاليًا بفضل الاستثمار في مشروعات قومية، لكنه لم يعالج موضوع خسارة الشركات الحكومية التي تفاقم من أزمة قطاع الأعمال العام.
مؤشرات مالية
التقرير الحكومي -بحسب مصادر إعلامية اطلعت عليه- يذكر أن 373 شركة كانت تحقق أرباحاً، و138 شركة كانت مُعلنة كخسارة، بينما كانت القوائم المالية لـ198 شركة قيد المراجعة في وقت سابق.
كما أشارت مؤسسات دولية إلى أن اقتصاد مصر يواجه تحديات في الإيرادات الخارجية والديون، مع توقعات بارتفاع عبء الدين الخارجي خلال السنوات المقبلة.
ردود الفعل تنوعت بين مسؤولين حكوميين ومعلقين سياسيين، من الجانب الحكومي، روجت تصريحات لمسؤولين أن التخارج يندرج في إطار إصلاح هيكلي لرفع كفاءة الشركات وتحسين الحوكمة وجذب الاستثمار.
من جانب كتّاب الرأي، فتصدرت تغريدات وانتقادات تشير إلى أن العملية تفتقر للشفافية وأن المصالح تُحول إلى مؤسسات بعينها دون رقابة مناسبة.
تغريدات وتحليلات في وسائل التواصل حددت مخاوف من نقل الأصول إلى كيانات عسكرية أو مقربة من السلطة.
حالات ميدانية
أسماء شركات محددة لم تُذكر كلها في الملخصات الصحفية، لكن تغطيات صحفية أشارت إلى عمليات دمج أو بيع في قطاعات مثل الصناعات الغذائية والطاقة والخدمات اللوجستية.
الصحف الاقتصادية توقعت موجة مزادات وإدراجات في البورصة خلال الأشهر المقبلة كجزء من خطة الدولة لجمع إيرادات نقدية لقاء حصص مباعة أو مخفضة، ومراقبون يؤكدون ضرورة مراجعة كل صفقة لضمان حقوق المتعاملين والعمال.
اختفاء البيانات والشفافية
واحدة من أكبر المخاوف أن التقرير لم يوضح بالتفصيل أسماء الشركات التي اختفت أو آليات التعامل معها، ما يترك فراغاً معلوماتياً يستغله المعنيون.
ندرة البيانات الرسمية المفصلة تزيد من الاعتماد على تسريبات ومقالات صحفية قد لا تقدم ترجمة دقيقة للواقع، ما يعوق مساءلة حقيقية.
مقاربات نقدية
يردّ القائمون على إدارة السياسات إلى إنجازات عمرانية ونمو اقتصادي كما عبر رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي في تصريحات متكررة هذا العام، لكن الانتقادات تشير إلى فجوة بين هذه الصور الإعلامية والواقع المؤسسي.
تصريح مدبولي بأن "مصر حققت إنجازات بارزة" يستخدمه الداعون لسياسات الحكومة لتبرير التخارج السريع من أصول عامة، في حين يطالب اقتصاديون مستقلون بربط أي بيع بشروط شفافة لحماية المال العام.
أطلق ناشطون وسياسيون دعوات علنية للمطالبة بنشر قوائم مفصلة بأسماء الشركات المتأثرة، وتوضيح ما إذا كانت الصفقات تمت عبر مزادات علنية أم عبر ترتيبات خاصة.
كما طالبت تقارير ومؤسسات دولية الحكومة بتشديد الرقابة على الشركات المملوكة للدولة وتعزيز ممارسات الإفصاح المالي كشرط لاستدامة أي برامج خصخصة.
تتزامن هذه المطالب مع توصيات صندوق النقد الدولي التي حذرت من هيمنة الدولة على قطاعات اقتصادية حيوية وأوصت بتحسين الحوكمة والشفافية.
يبقى السؤال الأهم: هل اختفاء 148 شركة تعكس تحولاً إصلاحياً شفافاً أم عمليّة إخفاء لتحويل الأصول؟
الإجابة تعتمد على قدرة المجتمع المدني والبرلمان ووسائل الإعلام على الوصول إلى بيانات رسمية كاملة ومساءلة من يقومون باتخاذ القرار، حتى تتوفر هذه المعلومات، سيستمر الشك والجدل حول مستقبل الاقتصاد المصري وملكية الموارد العامة.