في خطوة أثارت استياء واسعاً داخل الوسط التعليمي وأوساط أولياء الأمور، أرسلت بعض الإدارات التعليمية تعليمات إلى مديري المدارس، تطالبهم بإرسال أسماء المعلمين الذين لا يدرسون في مجموعات تقوية أو دروس خصوصية، بحجة أنهم "يهدرون أموالاً عامة" كان من المفترض أن تدخل خزينة الدولة عبر رسوم تلك الدروس. القرار، الذي يوصف بأنه غير مسبوق، يفتح الباب لاتهامات خطيرة بترسيخ الفساد وتحويل التعليم إلى سوق جباية.
 

200 جنيه عن كل فصل.. نسبة للإدارة بلا رقابة
التعليمات تضمنت فرض نسبة مالية تصل إلى 200 جنيه عن كل فصل دراسي على كل معلم يشارك في مجموعات التقوية، على أن تورد هذه المبالغ إلى الإدارة التعليمية. لكن المفاجأة أن هذه الأموال تُجمع دون آليات واضحة للرقابة أو الشفافية حول مصيرها أو كيفية إنفاقها. وهو ما اعتبره معلمون نوعاً من "الإتاوة الرسمية" التي تُجبى من جيوب الطلاب وأولياء الأمور.
 

استغلال وإجبار الطلاب
الأخطر أن القرار يشجع عملياً بعض المعلمين على إجبار الطلاب على الالتحاق بمجموعات مدفوعة، حتى يتمكنوا من دفع النسبة المفروضة عليهم للإدارة والحفاظ على رضا مديري المدارس. هذا الأمر يعني أن الطالب وأسرته أصبحوا الحلقة الأضعف في معادلة هدفها الأول توفير دخل إضافي للإدارات، لا تحسين مستوى العملية التعليمية.

إحدى أولياء الأمور قالت: "نحن ندفع مصاريف مدرسية، وكتب، وأدوات، ثم نجد أنفسنا مضطرين للدفع مجدداً لدروس لا نريدها، فقط لأن المدرسة والإدارة تفرضان ذلك."
 

انهيار الثقة في المدرسة
القرار يهدد الثقة المتبقية بين الطالب والمدرسة. فبدلاً من أن تكون المؤسسة التعليمية مكاناً لتلقي العلم وتنمية المهارات، تتحول إلى سوق تجاري هدفه تحصيل الأموال. الطلاب يرون أن حصص المدرسة أصبحت بلا قيمة، وأن المعلمين يركزون على المجموعات المدفوعة باعتبارها السبيل الوحيد لإرضاء الإدارة وتأمين دخل إضافي.
 

الوزير في مرمى الانتقاد
الانتقادات طالت وزير التعليم محمد عبد اللطيف، الذي يتحدث في خطاباته عن "تطوير التعليم" و"محاربة الدروس الخصوصية"، بينما الواقع يعكس عكس ذلك.

القرارات الصادرة من وزارته لا تحارب الظاهرة، بل تدفع إليها دفعاً.

  • تضارب الخطاب مع الواقع: بينما يعلن الوزير أن هدفه القضاء على الدروس، تصدر تعليماته التي تجعل الدروس إلزامية عملياً.
  • غياب الرؤية الإصلاحية: لم تُطرح أي حلول لتحسين رواتب المعلمين أو تدريبهم، وهي الأسباب الجوهرية التي تدفعهم نحو الدروس الخصوصية.
  • تحميل المواطن العبء: الدولة تنقل تكاليف تمويل التعليم إلى الأسر، بدلاً من تحملها عبر الموازنة العامة.
  • خلق بيئة فساد: القرار يساوي بين المعلم الملتزم برسالته التربوية والمعلم الباحث عن الربح فقط، ما يفتح الباب أمام المحاباة داخل المدارس.
     

صوت المعلمين وأولياء الأمور
المعلمون الذين رفضوا القرار أكدوا أنه ينتهك أبسط قواعد العدالة. فليس كل معلم يرغب أو يستطيع المشاركة في مجموعات مدفوعة، وبعضهم يكتفي بأداء دوره داخل الفصول الدراسية. معاقبة هؤلاء باعتبارهم "يهدرون أموالاً عامة" أمر غير منطقي، لأن التعليم ليس مشروعاً استثمارياً.

أما أولياء الأمور، فطالبوا بوقف القرار فوراً، معتبرين أن مستقبل أبنائهم لا يمكن أن يكون رهينة لسياسات مالية غامضة. وأكدوا أن الإصلاح الحقيقي يبدأ بتحسين أوضاع المعلم، وتطوير المناهج، وتوفير بيئة تعليمية نظيفة، لا بفرض رسوم مقنّعة على الطلاب.
 

التعليم إلى أين؟
هذا القرار يضع المنظومة التعليمية أمام مفترق طرق: فإما أن تستعيد المدرسة دورها كمؤسسة للتربية والتعلم، أو تتحول إلى سوق تجاري هدفه الجباية. في الحالة الأولى، يكون الاستثمار في المعلم والمناهج والبنية التحتية. وفي الثانية، يكون الاستثمار في إرضاء الإدارات التعليمية عبر نسب مالية، على حساب الطالب وأسرته.

والخلاصة أن قرار الوزير محمد عبد اللطيف، وما تبعه من تعليمات للإدارات، يمثل نموذجاً لسياسات قصيرة النظر تهدد بنسف ما تبقى من الثقة في التعليم الحكومي. بدلاً من معالجة جذور الأزمة، يتم تحميل المواطن والمعلم مسؤولية تمويل نظام مترهل. وفي النهاية، يدفع الطالب الثمن مرتين: مرة عندما يُحرم من تعليم جيد داخل الفصل، ومرة أخرى عندما يُجبر على دفع ثمن دروس لم يخترها.