لم يعد الخطر الذي يهدد حياة ملايين المصريين محصورًا في تهالك العقارات القديمة وحدها، بل بات مرتبطًا أيضًا بموجة تحولات جغرافية ومناخية جديدة، من زلازل متكررة إلى سيول وفيضانات مفاجئة. وبينما يقطن ملايين المواطنين في منازل آيلة للسقوط، يغيب عن المشهد الرسمي أي إعلان شفاف لبيانات دقيقة، الأمر الذي يضاعف حجم المخاطر ويفتح الباب أمام سيناريوهات قاتمة في المستقبل القريب.

 

 

أزمة العقارات المتهالكة

الإسكندرية وحدها تمثل نموذجًا صارخًا، إذ تشير دراسات وتقارير صحفية إلى تسجيل أكثر من 280 حالة انهيار مبانٍ خلال العقدين الماضيين، بمتوسط يصل إلى 40 مبنى سنويًا في السنوات الأخيرة. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات جامدة، بل تعكس حياة مهددة ومجتمعات تواجه خطر الانهيار في أي لحظة. وتتركز معظم الكوارث في أحياء شعبية مكتظة، حيث تفتقر المباني لشروط السلامة الإنشائية وتتعرض لتهالك مستمر مع مرور الزمن.

 

آلاف المباني المعرّضة للسقوط

التقديرات المتداولة تكشف عن وجود آلاف المباني المهددة على طول الشريط الساحلي المصري، خاصة في الإسكندرية. بعض الدراسات أشارت إلى نحو 7,000 مبنى في أكثر المناطق هشاشة بالمدينة، وهي أرقام تنذر بكارثة إنسانية لو وقعت هزة أرضية قوية أو سيول غزيرة. الخطط الحكومية المعلنة تتحدث عن هدم ما يقارب 7,500 مبنى غير آمن، وبناء نحو 55,000 وحدة سكنية بديلة، غير أن وتيرة التنفيذ بطيئة مقارنة بسرعة تدهور الوضع.

 

عيوب منظومات الإنذار المبكر

من أخطر ما يكشفه الخبراء غياب منظومة فعّالة للإنذار المبكر. فعلى الرغم من وجود محطات رصد زلزالي، إلا أن التنسيق بين الأجهزة المركزية والمحلية ضعيف للغاية. المواطنون غالبًا ما يعرفون بوقوع الهزات أو أخطار السيول عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا عبر قنوات رسمية. وهذا الخلل يجعل أي استجابة للأزمات بطيئة ومحدودة، ويزيد احتمالية وقوع خسائر بشرية ضخمة.

 

انعدام الشفافية والبيانات

تتعمّق الأزمة بسبب غياب الشفافية. لا توجد خرائط وطنية محدثة تحدد بدقة عدد العقارات الآيلة للسقوط أو أماكن تمركزها. وحتى البيانات الجزئية التي تُنشر تأتي متناثرة في تصريحات أو تقارير إعلامية دون قاعدة بيانات مركزية متاحة للجمهور. هذه السرية أو التعتيم تثير الشكوك بأن الحكومة تتعمد تقليل حجم المشكلة تجنبًا للغضب الشعبي.

 

النشاط الزلزالي المتزايد

مصر دخلت مرحلة نشاط زلزالي واضح خلال السنوات الأخيرة. فقد شهدت مناطق مثل شمال مرسى مطروح وخليج العقبة والبحر المتوسط هزات أرضية بقوة تراوحت بين 4 و5 درجات على مقياس ريختر. ورغم أن هذه الزلازل متوسطة القوة، إلا أنها كافية لإحداث أضرار بالغة في مبانٍ ضعيفة البنية أو قديمة. وهنا يظهر الخطر الحقيقي: ملايين السكان في بيوت غير قادرة على مقاومة حتى هزات متوسطة.

 

السيول والفيضانات تضاعف المخاطر

الأزمة لا تتوقف عند الزلازل. السيول الموسمية في صعيد مصر، البحر الأحمر والدلتا، أظهرت أن البنية التحتية غير مؤهلة للتعامل مع الأمطار الغزيرة. شبكات الصرف غير كافية، ما يجعل المياه تتجمع وتؤثر مباشرة على أساسات المباني. الجمع بين مبانٍ آيلة للسقوط وأمطار غزيرة أو فيضانات مفاجئة يخلق وصفة مثالية لكارثة جماعية.

 

تحولات جغرافية أوسع

التحذيرات لا تقتصر على الزلازل والسيول. ارتفاع مستوى البحر المتوسط يشكل تهديدًا مباشرًا لمناطق الدلتا والإسكندرية، حيث يعيش ملايين السكان. هذا يعني أن أزمة المباني المتهالكة ليست أزمة هندسية فحسب، بل جزء من صورة أكبر لتحولات جغرافية تهدد الأمن السكاني في مصر.

 

بين الإهمال والكارثة القادمة

السيناريو القاتم الذي ينتظر ملايين المصريين ليس قدرًا محتومًا، بل نتيجة مباشرة لإهمال وتباطؤ في مواجهة المشكلة. غياب الشفافية، بطء المشروعات الحكومية، وترك المواطنين في مواجهة الخطر دون خطط بديلة، كلها عوامل تجعل الكارثة أقرب من أي وقت مضى. الحلول العاجلة يجب أن تبدأ بمسح وطني شامل وعلني للأبنية المهددة، تطوير منظومات الإنذار المبكر، وإنشاء برامج عاجلة لإعادة إيواء السكان الأكثر عرضة للخطر.

إن تجاهل هذه الحقائق لن يؤدي إلا إلى تكرار مشاهد الانهيارات الجماعية، ووقتها لن يكون هناك مجال للحديث عن "مفاجأة"، بل عن إهمال رسمي أفضى إلى مأساة إنسانية مكتملة الأركان.