في جولته التفقدية الأخيرة بمحطة مصر بالإسكندرية، كرر كامل الوزير ما اعتاد ترديده منذ توليه حقيبة النقل: تعهد أمام الرئيس والشعب بأن يجعل السكك الحديدية «في طليعة هيئات الدولة بالعمل والإنتاج والشفافية». لكن هذه التصريحات الرنانة لا تغيّر من واقع الحقائق شيئًا؛ فالسكك الحديدية تكاد تغرق هذه الأيام في تراكم ديون وخسائر وحوادث متكررة تكذب أي حديث عن «نقلة نوعية».
 

ديون بالمليارات تغرق الهيئة
الأرقام تكشف التناقض الصارخ بين الكلام والواقع. فقبل عامين اضطرت الحكومة لشطب مديونية للهيئة بعشرات المليارات، ومع ذلك تستمر سياسة الاقتراض بلا سقف واضح، ما يُدخل الهيئة في دوامة ديون غير مسبوقة. هذه السياسة المالية القصيرة النظر تنسف كل حديث عن الإصلاح، وتثبت أن «التطوير» ليس سوى ستار لتبرير الاستدانة المستمرة.
 

خسائر تشغيلية وميزانية مثقوبة
لم تتوقف المشكلات عند الديون، بل امتدت إلى العجز التشغيلي. تقارير مالية حديثة كشفت أن موازنة الهيئة تُسجل خسائر بمليارات الجنيهات سنويًا. وإذا كان الوزير يروّج لمشروعات تحديث كبرى، فإن الخسائر تعني أن الموارد تُهدر بلا مردود، وأن ما يُعلَن عن «تحقيق طفرة» لا يترجم على أرض الواقع.
 

الحوادث.. شهادة دامغة على الفشل
منذ تولي الوزير مهامه، لم تتوقف حوادث القطارات المميتة. تصادمات وانقلابات وحرائق أدت إلى مئات الضحايا والمصابين، وهو ما يفضح هشاشة البنية التحتية ويؤكد أن مليارات الجنيهات التي أنفقت لم تمنع تكرار المآسي. كيف يمكن الحديث عن تطوير بينما ركاب القطارات يعيشون الخوف في كل رحلة؟
 

خدمات متدهورة وركاب مستاءون
الركاب أنفسهم هم الحكم. العربات المتهالكة، التأخيرات المزمنة، الازدحام المفرط، وارتفاع أسعار التذاكر دون تحسّن حقيقي — كل هذا يوضح أن الخدمة لم تتغير. وبدلًا من مواجهة القصور، يواصل الوزير الدعاية لنجاحات وهمية لا يلمسها المواطن في يومياته.
 

العاملون كبش فداء لا رافعة تطوير
الوزير يكرر دومًا أن رفع كفاءة العاملين من أولوياته، لكنه في الواقع يحمّلهم المسؤولية عن أي خطأ أو حادث. لا توجد خطط تدريبية متكاملة أو تحسين لبيئة العمل، بل عقوبات وتحميل للأفراد ما هو نتيجة فشل منظومة بأكملها.
 

غياب الشفافية والمحاسبة
الحديث عن الشفافية يتهاوى أمام غياب أي تقارير دورية توضح حجم الإنفاق والديون ومصادر التمويل. لا توجد رقابة مستقلة على المشروعات الضخمة التي تُعلن، ما يفتح الباب للتساؤل: هل نحن أمام عملية تطوير حقيقية أم مجرد دعاية سياسية لتلميع صورة الحكومة؟

وفي النهاية فإنه يُصعب التوفيق بين خطاب كامل الوزير التصويري عن «نجاحات وإنجازات» والوقائع على الأرض: ديون متزايدة، خسائر تشغيلية بالمليارات، حوادث متكررة ومواطن متذمر يدفع الثمن.

إن كانت هناك نية حقيقية لتطوير السكك الحديدية، فالمطلوب ليس فقط جولاته التفقدية وتصعيد الخطاب أمام الكاميرات، بل خطة إصلاح شفافة قابلة للقياس، محاسبة حقيقية لممارسات الفشل، وإدارة مالية تضع حدًا لدائرة الاقتراض التي تُعمّق أزمة الهيئة بدلاً من حلّها.
وإلا فسيبقى الكلام الرنان مجرد ستار يخفى وراءه الفشل المتواصل على قضبان الواقع.