تُروّج المؤسسة الرسمية في مصر بين الحين والآخر لخطابٍ يضع حرية الإعلام ضمن أولويات «الاستقرار الوطني» و«الانفتاح الإعلامي»، لكن الواقع العملي يكذّب هذه الشعارات. استراتيجية النظام تبدو مزدوجة: من جهة بيانات رسمية تكرر عبارات عن «التعددية» و«انفتاح المساحة الإعلامية»، ومن جهة أخرى استدامة قوانين قمعية، ملاحقات قضائية للصحفيين، وحملات تضييق على المنصات المستقلة.
المؤسسات الدولية رصدت تزايداً في حالات الحبس والملاحقة ضد الصحفيين، ما يجعل الشعارات مجرد غلاف يفتقر للمضمون.
النخبة النقدية الوطنية والمعارضة لا تكتفي بوصف التناقض؛ بل تُحمّل النظام نيّة القمع المنهجي. فهمي هويدي، الصحفي والمفكر، انتقد منذ سنوات ما وصفه بـ«الاغتيال المعنوي» الذي يتعرّض له أي صوت مستقل أو معارض، مؤكداً أن الإعلام الرسمي بات آلة لتسويق خطاب السلطة ومهاجمة الخصم. نقد هويدي موثق في مقالاته وتحليلاته المتواترة.
د. حسن نافعة، الأكاديمي المعروف بالمواقف النقدية، ربط بين سياسة إغلاق المساحات العامة للتعبير وبين بيئة الخوف التي تمنع أي نقاش حقيقي.
نافعة كرّر تحذيراته نفسها بأن «لا وجود لحياة سياسية حقيقية في ظل سيطرة الأجهزة الأمنية»، وأن الإعلام لا يتيح للرأي الآخر أن يعبر عن نفسه بسلام. مواقفه المسجلة في مقابلات وكتابات تُظهر أن الخطاب الرسمي عن «الحريات» لا يتعدى سقف الخطاب.
الصحفيون والنقاد العرب أيضاً شاركوا في نقد المراوغة بين الخطاب والواقع.
ياسر الزعاترة ونظام المهداوي ووائل قنديل اعتادوا على وصف الأداء الإعلامي الرسمي بأنه «مطبخ بيانات» و«تمويه»؛ وقد نُشرت مواقفهم التي تدين التضييق وتطالِب بمساحة حقيقية للمعارضة والاختلاف، مع التشديد على أن الحريات الإعلامية ليست رفاهية بل مقياس لصحة الدولة الديمقراطية.
النتيجة العملية واضحة: بينما يعلن القصر عن «استراتيجية للحريات الإعلامية» فإن الواقع يسجّل اعتقالات صحفيين، قوانين تُشرِّع الرقابة والملاحقة، وحسّاً متزايداً بالإقصاء داخل المجتمع المدني والإعلامي.
هذا التباين ليس مجرد إخفاق إداري؛ بل هو أداة للحفاظ على استقرار سياسي هشّ يقوم على قمع الاختلاف وتطويق الساحة الإعلامية.
تقارير منظمات حقوقية دولية تبدو متوافقة مع قراءة النقّاد المحليين: مصر تصدرت لائحة الدول التي تملك أكبر عدد من الصحفيين المسجونين، وقوانين مثل «مكافحة جرائم الإنترنت» تُعطي غطاءً قانونياً للتضييق.
خلاصة القول: الاستراتيجية الرسمية لحريات الإعلام في مصر تبدو اليوم «خطاباً وظيفياً» لا يملك آليات تطبيق حقيقية، بينما الأدوات التنفيذية على الأرض (النيابة العامة، قوانين الأمن، إجراءات الترخيص والإنذار) تعمل بالعكس تماماً.
أصوات معروفة مثل فهمي هويدي، حسن نافعة ، ياسر الزعاترة ونظام المهداوي لا تطالب بشعارات جديدة؛ بل تطالب بأن تتحول الحرية من بندٍ في بيانات رئاسية إلى واقعٍ يكفّل حماية الصحفي والمعارض والمواطن من بطش الدولة.