في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الخارجية المصرية تقديم شكوى جديدة لمجلس الأمن بعد بدء إثيوبيا تشغيل سد النهضة، تناسى النظام أن القاهرة سبق أن لجأت مرتين إلى المجلس ورُفض الطلب، والسبب بسيط: اتفاقية المبادئ التي وقعها عبد الفتاح السيسي عام 2015 في الخرطوم.
تلك الاتفاقية منحت أديس أبابا الغطاء القانوني لبناء السد، وقيّدت يد مصر بحصر أي خلافات في إطار المفاوضات الثلاثية فقط، مانعة اللجوء إلى التحكيم الدولي أو مجلس الأمن أو حتى الاتحاد الأفريقي.
وهكذا يتحول السيسي اليوم إلى من يشتكي من قيد صنعه بنفسه، فيما يواصل بيع الوهم للشعب المصري.
 

اتفاقية المبادئ 2015… التوقيع الذي كبّل مصر
اتفاقية المبادئ الموقعة في الخرطوم في مارس 2015 بين مصر وإثيوبيا والسودان، مثّلت نقطة التحول الأخطر في ملف السد.
فقد اعترف السيسي رسميًا بحق إثيوبيا في بناء السد لأول مرة، ووقّع على بند ينص على أن الخلافات تحل فقط بالتفاوض بين الأطراف الثلاثة.

هذا البند ألغى أي إمكانية لرفع النزاع إلى المحاكم الدولية أو مجلس الأمن، وهو ما تستند إليه أديس أبابا كل مرة لتفنيد الشكاوى المصرية.
 

خبراء يفضحون القيود
د. عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، أكد أن “اتفاقية المبادئ قيدت مصر قانونيًا وأعطت إثيوبيا شرعية البناء”، معتبرًا أن أي لجوء لمجلس الأمن هو مجرد “استعراض سياسي بلا جدوى”.

د. نادر نور الدين، خبير الزراعة والموارد المائية، شدد على أن السيسي “ارتكب خطأ استراتيجيًا لا يغتفر بتوقيع الاتفاقية التي نزعت سلاح مصر القانوني”.

المستشار محمد حامد، خبير القانون الدولي، أوضح أن توقيع بند التسوية التفاوضية فقط “أغلق أبواب التحكيم الدولي نهائيًا”.

د. هاني رسلان، خبير الشؤون الأفريقية بمركز الأهرام، قال إن الاتفاقية “أضعفت الموقف المصري وسمحت لإثيوبيا بالتوسع في الملء والتشغيل منفردة”.

د. أحمد رفعت، أستاذ القانون الدولي، أشار إلى أن الاتفاقية “جعلت أي شكوى لمجلس الأمن غير مقبولة شكلاً لأن مصر التزمت بحصر الخلاف داخل الإطار الثلاثي”.

الكاتب والمحلل مصطفى اللباد، اعتبر أن السيسي “باع الوهم للمصريين حين صوّر الاتفاقية كإنجاز، بينما هي في الواقع أخطر ورقة تنازل في تاريخ مصر الحديث عن حقوقها المائية”.
 

شكوى بلا جدوى أمام مجلس الأمن
تحرك الخارجية المصرية الأخير إلى مجلس الأمن ليس إلا محاولة لتخفيف الضغط الشعبي والإيحاء بوجود حراك دبلوماسي.
لكن الحقيقة أن مجلس الأمن لن يتدخل في ظل وجود اتفاقية موقعة بيد مصر نفسها تنص على تسوية الخلافات داخلية.

وبذلك تبدو الخطوة مجرد رسالة للاستهلاك الإعلامي، تعكس مأزق النظام لا قوته.
 

بيع الوهم للشعب المصري
منذ توقيع الاتفاقية عام 2015، يواصل السيسي التلاعب بالرأي العام عبر وعود فارغة: مرة بالتهديد أن “النيل خط أحمر”، وأخرى بالحديث عن اتفاق وشيك مع إثيوبيا، وثالثة باللجوء لمجلس الأمن.
لكن كل هذه التصريحات تصطدم بحقيقة واحدة: التوقيع الذي جرد مصر من أوراق الضغط وحوّلها إلى متفرج عاجز.

والنتيجة أن إثيوبيا ملأت السد وشغلته دون أن تلتفت لأي احتجاج مصري.

وأخيرا فما يحدث اليوم هو نتيجة مباشرة لاتفاقية الخرطوم 2015 التي وقعها السيسي.
لم تُجبره قوة خارجية، بل هو من قدّم التوقيع بملء إرادته، مانحًا إثيوبيا شرعية تاريخية.
لذا، حين يلجأ النظام لمجلس الأمن، فهو يعرف مسبقًا أن الطريق مسدود، لكنه يبيع الوهم للمصريين كي يبرر عجزه.

الحقيقة المُرّة أن مصر لم تُهزم أمام إثيوبيا فقط، بل أمام توقيع رئيسها الذي قيدها بيده وأضاع حقوقها المائية.