شهدت أزمة عمال مصانع السكر في مصر تطورًا جديدًا بعد أن امتد الإضراب العمالي ليشمل مجمع الحوامدية بمحافظة الجيزة، وهو أكبر وأهم مصانع إنتاج السكر في البلاد، وذلك احتجاجًا على تدني الأجور وعدم ضم العلاوات المتأخرة منذ سنوات، في وقتٍ هاجم فيه رئيس الشركة القابضة للصناعات الغذائية العمال، ملوحًا بتهديد واضح بالخصخصة، ما زاد من حالة الاحتقان داخل أوساط العاملين.

 

غضب عمالي متصاعد

بدأت شرارة الإضراب من بعض مصانع الوجه القبلي، قبل أن يتوسع تدريجيًا ليصل إلى الحوامدية، حيث يتركز آلاف العمال الذين يعتمدون على المصنع كمصدر رزق أساسي لأسرهم. ويؤكد ممثلو العمال أن الإضراب ليس مجرد تحرك فئوي، بل هو صرخة ضد سياسات تجاهلت حقوقهم لعقود، في ظل أوضاع اقتصادية خانقة وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية.

وقال عدد من العمال إن رواتبهم لا تكفي لتغطية أبسط الاحتياجات اليومية، خاصة مع وصول أسعار اللحوم إلى أكثر من 400 جنيه للكيلو، وارتفاع فواتير الكهرباء والغاز والمواصلات بشكل غير مسبوق. وأضافوا أن الحكومة وعدتهم مرارًا بضم العلاوات المتأخرة وزيادة الأجور، لكن تلك الوعود بقيت حبرًا على ورق.

 

وعود منسية وتجاهل حكومي

المطلب الأساسي للعمال يتمثل في زيادة عادلة للأجور وربطها بمعدلات التضخم، إلى جانب ضم العلاوات المتأخرة التي تراكمت عبر سنوات، بينما تقول الإدارة إنها تواجه صعوبات مالية تحول دون الاستجابة لهذه المطالب. غير أن العمال يشيرون إلى أرباح الشركات القابضة في قطاعات أخرى، ويتساءلون: لماذا يُحمَّل العامل وحده ثمن السياسات الفاشلة؟

المثير للجدل أن الحكومة كثيرًا ما رفعت شعار "دعم الصناعة الوطنية"، لكنها في الواقع لم تقدم أي حوافز حقيقية لقطاع السكر الذي يعد من أقدم وأهم الصناعات الاستراتيجية في مصر. ومع ذلك، فإنها تجد في كل أزمة وسيلة للضغط على العمال بدلاً من تحسين أوضاعهم.

 

تهديدات بالخصخصة تزيد الاحتقان

أثارت تصريحات رئيس القابضة للصناعات الغذائية غضبًا واسعًا بين العاملين، بعد أن لمح إلى إمكانية خصخصة مصانع السكر إذا استمر العمال في الإضراب. ويرى مراقبون أن هذه التصريحات تمثل تهديدًا مبطنًا للعمال، في وقت يُدرك فيه الجميع خطورة الخصخصة التي قد تعني تسريح آلاف الموظفين وبيع أصول وطنية بأبخس الأثمان.

رد العمال على هذه التهديدات كان غاضبًا، إذ أكدوا أن الخصخصة لن تكون حلاً، بل ستفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، لأن بيع المصانع أو تصفيتها يعني إهدار تاريخ طويل من العمل والإنتاج، وتحويل آلاف الأسر إلى طوابير بطالة جديدة.

 

تضامن شعبي وخبراء يحذرون

أثارت أنباء الإضراب موجة من التضامن على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر كثيرون أن مطالب العمال عادلة، وأن الحكومة هي التي تفتعل الأزمات عبر تجاهلها المستمر. وكتب ناشطون أن "إضراب السكر هو جرس إنذار جديد يذكرنا بأن الصبر الشعبي له حدود"، مشيرين إلى أن أي محاولة لقمع العمال أو تهديدهم ستفتح بابًا لمزيد من التصعيد.

من جانبه، حذر الخبير الاقتصادي ممدوح الولي من أن خصخصة قطاع السكر تعني "التفريط في صناعة استراتيجية ترتبط بالأمن الغذائي للمصريين"، مشيرًا إلى أن فشل الإدارة الحكومية لا ينبغي أن يدفع ثمنه العمال. كما أكد الباحث العمالي خالد علي أن "مطالب عمال السكر ليست فقط حقوقًا مهدرة، بل هي شرط أساسي لبقاء الصناعة نفسها، لأن العامل الذي يعيش في الفقر واليأس لن يكون قادرًا على الإنتاج".

 

أزمة تكشف عمق الاحتقان الاجتماعي

إضراب عمال مصانع السكر الذي وصل إلى الحوامدية ليس مجرد نزاع عمالي عابر، بل يعكس عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في مصر، حيث تتراكم الديون وترتفع الأسعار بينما يُترك المواطن والعامل وحيدًا في مواجهة الضغوط. تهديدات الخصخصة لن ترهب العمال، بل ستزيد من غضبهم وإصرارهم على المطالبة بحقوقهم.

إن الأزمة الحالية تكشف أن الحكومة بدلاً من أن تستجيب لمطالب عادلة وتدعم الصناعة الوطنية، تختار الطريق الأسهل: قمع الأصوات أو بيع الأصول. لكن التاريخ يعلمنا أن تجاهل صوت العمال لا يؤدي إلا إلى انفجار أشد قسوة.