في يومي 3–4 سبتمبر 2025 شهدت مدينة المنيا (حي أبو هلال جنوب المدينة) حادثة تسمم غذائي جماعي بعد تناول مئات المواطنين وجبات دجاج وأرز من أحد المطاعم الشهيرة في الحي.
تحرّكت سيارات الإسعاف والأمن فور ورود بلاغات عن حالات قيء وإسهال وآلام بالبطن، وتم نقل المصابين إلى مستشفيات المنيا (الجامعي والصدر ومراكز صحية أخرى)
الأرقام المتضاربة: 37 أم 83 أم 104 أم 110؟
الأرقام المتداولة في الساعات الأولى اختلفت بشكل واضح بين وسائل الإعلام والمصادر الرسمية.. تقارير أولية ذكرت 37 حالة، ثم صعد العدد إلى أكثر من 80–83 حالة، ووُثّقت لاحقًا حصيلة بلغت 104 إصابات، بينما أشارت تصريحات لوكيل صحة المنيا إلى ما يقرب من 110 مصابين، وفي بعض النشرات غير الرسمية ذُكر حتى رقم أعلى.
هذا التباين يعكس ضعف توحيد المعلومة لدى مؤسسات الدولة وسوء إدارة الأزمة في الاتصال مع المواطنين ووسائل الإعلام.
كيف تفاعلت السلطات؟ إغلاق المطعم وأخذ عينات وإجراءات جزئية
أعلنت مديرية الصحة عن إغلاق المطعم المتهم مؤقتًا، وتم ضبط صاحب المحل واحتجاز بعض العاملين، كما حرزت الأجهزة الأمنية أدوات الطهي وسحبت عينات من الأطعمة لإرسالها للمعامل للوقوف على الملوث المسبب للتسمم، وحررت المحاضر وأخطرت النيابة العامة للتحقيق.
رغم ذلك، الإجراءات تبدو ردّ فعلية ومؤقتة؛ إغلاق محلات ومعاقبة أصحابها بعد وقوع الكارثة بدلاً من نظام رقابي استباقي يمنع الكارثة أساسًا.
سلسلة إنذارات سابقة في المنيا
حادث المنيا الأخير ينسجم مع نمط متكرر من حوادث التسمم في المحافظة خلال 2025؛ ففي يونيو مثلاً سجلت حالات تسمم جماعي بمطاعم أخرى وتم اتخاذ إجراءات قضائية، كما وثّقت مديرية الصحة حملات تفتيش وإعدام كميات من أغذية فاسدة خلال الأشهر الماضية.
تكرار هذه الحوادث يشير إلى خلل هيكلي في آليات الرقابة الغذائية وتطبيق القانون، لا إلى حادث عرضي معزول.
لماذا يتكرر الفشل؟
من زاوية نقدية لحكم قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، يمكن قراءة الحادثة في سياق تخلي تدريجي للدولة عن مسؤوليات الرقابة العامة مقابل تشجيع التوسّع التجاري السريع دون بنية رقابية متينة.
ارتفاع أسعار المواد وارتفاع معدلات التضخم خلال السنوات الماضية ضغوطه انعكست على سلسلة الإمداد الغذائي (تخزين سيئ، تقليص الإنفاق على الرقابة).
عندما تصبح العقوبات بعد الفشل فقط على أصحاب المحلات الصغيرة، بينما تفتقد منظومة الرقابة والاستثمار في المختبرات والتفتيش الدوري، يتحول المواطن إلى ضحية ثمنه الأرخص.
خطورة الغذاء غير الآمن
تقدّر منظمة الصحة الإقليمية أن الغذاء غير الآمن يتسبب في ملايين حالات المرض سنويًا في المنطقة، ما يؤكد أن الوقاية تتطلب نظام رقابي متكامل واستثمارات في المعامل ونظام إخطار سريع وشفاف.
من يدفع الثمن؟
المجتمعات المحلية تدفع الثمن.. أسر تفقد أفرادًا، ومواطنون يدخلون المستشفى، ومطاعم تُفلس بسبب غياب الضمانات القانونية والتفتيش الدوري.
مطالِب المدنيين ومحامين ومواطنين بالتعويضات وتحسين آليات التفتيش تتصاعد، لكن ما يغيب هو خطاب مركزي صادق ومسؤولية سياسية تقبلها الحكومة العليا، خطاب يَقرّ بالقصور ويعلن خططًا ملموسة لتحسين سلامة الغذاء.
حتى الآن، يبدو أن الردّ الحكومي يقتصر على إجراءات آنية لا تُبرِئ ذمّة النظام القائم.
خلاصة واستنتاجات..
حادثة تسمم المنيا (3–4 سبتمبر 2025) التي أَصابت؛ بحسب مصادر مختلفة؛ من عشرات إلى أكثر من مئة مواطن، وتسببت في وفاة حالة على الأقل وفق تقارير محلية، ليست مجرد واقعة صحية عرضية بل مؤشر على إخفاق منظومة رقابية متكررة.
غياب تنسيق موحّد في الأرقام، التكرار التاريخي لحوادث التسمم، وطبيعة الردود الحكومية المؤقتة كلها عناصر تؤكد أن المشكلة نظامية وتستدعي إصلاحات حقيقية: توحيد سجل الحوادث والشفافية، توسيع قدرات التحليل المخبري، حملات تفتيش دورية غير إعلانية، ومساءلة فعلية لكل من يفشل في حماية صحة المواطنين، بدءًا من المسؤولين المحليين وانتهاءً بسياسات اقتصادية تؤثر على جودة الغذاء.