تشهد قطاع غزة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث، مع استمرار الحرب والحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي منذ شهور، ووسط عجز دولي عن تلبية الاحتياجات الأساسية لمليوني إنسان يعيشون في ظروف كارثية.
ورغم التصريحات الدولية المتكررة عن تكثيف الجهود لتقديم الإغاثة، إلا أن الأرقام تكشف عن واقع صادم: المساعدات التي دخلت القطاع حتى الآن لا تتجاوز 10% من حجم الاحتياجات الفعلية، بحسب ما أعلنت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية.
90% من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الغذائية
تشير تقارير الشبكة إلى أن أكثر من 90% من سكان قطاع غزة باتوا يعتمدون كليًا على المساعدات الغذائية، في ظل توقف شبه كامل لسلاسل الإمداد وانعدام القدرة على شراء المواد الأساسية بسبب انهيار الاقتصاد المحلي.
هذا الاعتماد المطلق على المعونات جعل حياة الغزيين رهينة لبطء دخول الشاحنات عبر المعابر، التي تتحكم بها إسرائيل وفق شروط صارمة، ما يفاقم معاناة المدنيين، خصوصًا الأطفال والنساء وكبار السن.
أكثر من مليون إنسان عالق في مدينة غزة
وفي تطور مقلق، أكدت الشبكة أن أكثر من مليون مواطن فلسطيني اضطروا للبقاء داخل مدينة غزة، رغم القصف المستمر ونقص الغذاء والدواء.
هؤلاء السكان لا يملكون أي خيار آخر، بعد أن تقطعت بهم السبل نتيجة إغلاق المعابر وصعوبة النزوح جنوبًا، بسبب مخاطر الطريق أو عدم وجود أماكن آمنة.
وتصف المنظمات الوضع في غزة بأنه كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث تتكدس العائلات في المباني المدمرة أو الملاجئ المؤقتة، وسط ظروف صحية خطيرة مع انتشار الأمراض المعدية بسبب تلوث المياه وانعدام خدمات الصرف الصحي.
مطالبات بوجود دولي مكثف في غزة
طالبت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية الوكالات الإنسانية الدولية بالتواجد المكثف داخل مدينة غزة خلال الفترة المقبلة، والعمل على زيادة حجم المساعدات بشكل عاجل لتغطية الفجوة الضخمة في الاحتياجات.
وأكدت أن البطء في إدخال الإغاثة ينذر بانهيار كامل للقطاع الصحي، وانتشار المجاعة في حال استمرار الحصار، خاصة أن مخزون القمح والوقود شبه منعدم، ما يهدد حياة المرضى في المستشفيات التي تعمل بطاقات منخفضة جدًا.
انتقادات لاذعة للأمم المتحدة والمجتمع الدولي
رغم مرور أشهر على اندلاع الأزمة، تتعرض الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لانتقادات واسعة من الفلسطينيين، الذين يعتبرون أن المجتمع الدولي يكتفي بالبيانات والتصريحات دون خطوات عملية كافية.
فبينما تقدر الاحتياجات اليومية لغزة بآلاف الأطنان من الغذاء والدواء والوقود، لم يصل إليها سوى بضع مئات من الشاحنات منذ بداية الحرب، وهو ما يعادل أقل من عُشر المطلوب.
ويرى خبراء إنسانيون أن استمرار الوضع بهذا الشكل يعني الدخول في مرحلة المجاعة الجماعية خلال أسابيع قليلة، ما لم تُفتح المعابر بشكل كامل وتُنشأ ممرات إنسانية آمنة تحت إشراف دولي.
كارثة تتفاقم وغياب الحلول
أمام هذا الواقع المظلم، تتعالى الأصوات المطالبة بوقف العدوان ورفع الحصار فورًا، باعتباره السبيل الوحيد لمنع كارثة أكبر من تلك الجارية الآن. فالمساعدات التي دخلت القطاع حتى اللحظة لا تغطي سوى جزء ضئيل من احتياجات ملايين البشر، في حين يواصل الاحتلال فرض قيود مشددة تحول دون وصول الإغاثة.
ويبقى السؤال المطروح: إلى متى يستمر هذا الصمت الدولي أمام مأساة إنسانية بهذا الحجم؟ وهل ستتحرك القوى الكبرى لإنقاذ غزة قبل فوات الأوان، أم سيظل المدنيون الفلسطينيون رهائن لمعادلات سياسية وحسابات عسكرية لا ترحم؟