أثار أحمد موفق زيدان، مستشار الرئيس السوري أحمد الشرع للشؤون الإعلامية، عاصفة من الجدل عقب نشره مقالًا في منتصف أغسطس 2025 دعا فيه صراحة جماعة الإخوان المسلمين في سوريا إلى حل نفسها، معتبرًا أن تمسكها بشكلها التنظيمي الحالي يُضر بالبلاد ويعزلها عن السياق السوري الجديد بعد سقوط نظام بشار الأسد.

جاءت هذه الدعوة بعد أسابيع قليلة من تعيين زيدان في منصبه في أغسطس الجاري، وهو التعيين الذي أثار بدوره انتقادات واسعة من أوساط سياسية، خاصة التيارات العلمانية والقومية، التي اعتبرت الخطوة مؤشرًا على تقارب غير معلن بين السلطة الجديدة والجماعة.

 

المقارنة مع تجارب أخرى.. قراءة ناقصة؟

في مقالته، حاول زيدان تعزيز طرحه عبر استعراض نماذج لجماعات إسلامية اختارت التخلي عن الشكل التنظيمي التقليدي أو التحول لأحزاب جديدة، مثل تجربة حسن الترابي في السودان، وراشد الغنوشي في تونس، وجبهة العمل الإسلامي في الأردن، وحركة العدالة والتنمية في تركيا.

لكن المقارنة التي طرحها زيدان، وفق خبراء، تعاني من قصور كبير، لأن تلك الحركات لم تتخل عن الفكرة أو المشروع الإسلامي، بل قامت بمواءمات سياسية مع الاحتفاظ بالهوية الفكرية والتنظيمية في العمق.

كما أن الأرقام تشير إلى أن أكثر من 60 % من القواعد الشعبية في تونس والأردن ما زالت مرتبطة بالهياكل التنظيمية القديمة، حتى بعد تحولات الأسماء.

 

التاريخ والتنظيم ودوره في سوريا

تأسست جماعة الإخوان المسلمين في سوريا عام 1945 برئاسة الشيخ مصطفى السباعي، وكانت لهم مشاركة فاعلة في الحياة السياسية، حيث كان لهم نواب في البرلمان ومشاركات في حكومات متعاقبة، كما شاركوا في مقاومة الاستعمار وفي الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

رغم تعرض الجماعة لحظر وقمع من النظام السوري، خاصة في الثمانينيات، لا يمكن إنكار أنها كانت القوة الإسلامية الأبرز المعارضة للنظام، وأيضا الأكثر تنظيما وتأثيرا بين قوى المعارضة السورية.

 

الإخوان.. جذور فكرية وتنظيمية لا تموت

الدعوة لحل الإخوان المسلمين في سوريا تبدو متجاهلة لحقيقة أن الجماعة ليست مجرد هيكل إداري، بل هي مشروع فكري وتنظيمي عالمي، يمتد منذ تأسيسها عام 1928 على يد الإمام حسن البنا، ومرورًا بمراحل قمع في مصر وسوريا والعراق، وصولًا إلى دورها في الثورات العربية.

التجربة السورية تؤكد هذه الحقيقة؛ فبعد مجازر الثمانينيات في حماة وحظر الإخوان، بقي التنظيم حاضرًا في الوجدان الشعبي، وساهم في الثورة ضد بشار الأسد عام 2011، رغم تصنيفه "إرهابيًا" من قبل النظام.

وفق تقارير مراكز بحثية مثل "مركز الدراسات الاستراتيجية" في الدوحة، ساهمت الكوادر الإخوانية في توحيد صفوف المعارضة السياسية في الخارج بنسبة 30 % من التمثيل في الائتلاف السوري المعارض عام 2013.

 

حل الجماعة = تفكيك الهوية الوطنية؟

يرى كثير من السياسيين أن حل الجماعة سيكون بمثابة إقصاء لشريحة واسعة من المجتمع السوري الذي يرى في الإخوان ممثلًا للتيار الإسلامي الوسطي.

النائب السابق في البرلمان الأردني حمزة منصور صرّح بأن "التاريخ أثبت أن الإخوان، رغم الخلافات، كانوا جزءًا من المعادلة الوطنية لا خصمًا لها، والحلول الإقصائية لا تنتج استقرارًا".

وتشير استطلاعات أجراها مركز جسور للدراسات في 2024 إلى أن 42 % من السوريين في الشمال المحرر يعتبرون الإخوان "شريكًا سياسيًا مقبولًا"، فيما عبّر 28 % فقط عن رفضهم الكامل للجماعة.

هذه الأرقام تكشف أن دعوات الحل لا تستند إلى قاعدة اجتماعية قوية.

 

التجارب التاريخية تحذر من أخطاء مشابهة

من المهم التذكير بأن الإخوان في سوريا سبق أن جمدوا نشاطهم التنظيمي في عهد الوحدة مع مصر عام 1958 نزولًا عند شروط جمال عبد الناصر، لكن النتيجة كانت كارثية؛ إذ واجهت الجماعة موجات قمع لاحقة بعد الانفصال، وعادت للعمل سرًا حتى صدام الثمانينيات الدموي.

تكرار الخطأ نفسه اليوم قد يعني تفكيك التيار الإسلامي الوسطي وفتح الباب أمام تيارات متشددة، وهو ما حذّر منه الخبير السياسي التركي إسماعيل ياشا بقوله: “إضعاف الإخوان لا يقوي الدولة، بل يعزز التيارات المتطرفة التي تملأ الفراغ".

 

ماذا وراء انقلاب زيدان على مواقفه السابقة؟

المفارقة أن زيدان نفسه كان قبل سنوات من أبرز المدافعين عن حق الإخوان في العمل السياسي، معتبرًا في تصريحات عام 2017 لصحيفة "القدس العربي" أن "إقصاء الإخوان خطأ استراتيجي يفتح الباب أمام داعش والقاعدة".

اليوم، بعد وصوله إلى موقع رسمي، يتبنى خطابًا مغايرًا، ما يطرح تساؤلات عن دوافع التحول: هل هو ضغط من تيارات إقليمية معادية للإخوان مثل الإمارات؟ أم محاولة لطمأنة الغرب بأن السلطة الجديدة لا تحتضن الإسلاميين؟

مصادر في المعارضة السورية ترى أن المقالة ليست اجتهادًا شخصيًا بل رسالة سياسية موجهة، في ظل تقارير عن اتصالات بين دمشق الجديدة وبعض العواصم العربية.

 

الإخوان بعد الأسد.. شريك أم خصم؟

الواقع السياسي السوري ما بعد الأسد لا يحتمل استبعاد قوى اجتماعية كبرى؛ فالإخوان ليسوا تنظيمًا هامشيًا بل يمتلكون شبكة واسعة من العلاقات والكوادر.

في حال إقصائهم، قد نشهد سيناريو مشابهًا للعراق بعد 2003، حين أدى حظر حزب البعث إلى تفجير أزمات أمنية.

الأستاذ محمد سليم العوا، المفكر الإسلامي، يرى أن "الحركات التي تملك عمقًا شعبيًا لا يمكن إنهاؤها بقرار إداري، بل باندماج سياسي يضمن المشاركة".

 

الإصلاح لا الإقصاء

أمام هذه المعطيات، يتضح أن الدعوة لحل الإخوان في سوريا ليست سوى خطوة عاطفية لا تراعي التوازنات الاجتماعية ولا الدروس التاريخية.

الإصلاح الداخلي للجماعة قد يكون ضرورة، لكن الحل الكامل يعني تفكيك تيار وسطي معتدل لصالح فراغ سياسي ستملؤه قوى متطرفة أو سلطوية.

إن أي مشروع وطني جامع لا يمكن أن يقوم على الإقصاء، بل على الشراكة، وهو ما أكده استطلاع المركز العربي للأبحاث عام 2025 الذي أظهر أن 55 % من السوريين يفضلون نظامًا سياسيًا تعدديًا يضم الإسلاميين.