تتحدث وسائل الإعلام العبرية بشكل متزايد عن مخاطر انهيار اقتصادي يهدد إسرائيل نتيجة الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر 2023، وما تسببت به عملية «طوفان الأقصى» من تداعيات مالية وأمنية واجتماعية عميقة.
فبعد مرور ما يقارب العامين، لم يعد الأمر يقتصر على كلفة عسكرية أو أمنية فحسب، بل تحوّل إلى أزمة اقتصادية متفاقمة تضرب جميع القطاعات تقريباً.
 

إعلام عبري يحذّر من الانهيار
لم يَعُد الحديث عن الأزمة الاقتصادية مجرّد تقديرات أكاديمية أو آراء معارضة، بل أصبح مادةً يومية في وسائل الإعلام العبرية نفسها. فقد نشرت صحف كبرى مثل يديعوت أحرونوت ومعاريف تقارير موسعة عن حجم الخسائر والتراجع الحاد في النمو.
كما خصصت قناة القناة 12 العبرية والقناة 13 برامج إخبارية وتحقيقات حول الكُلف الباهظة للحرب واستدعاء الاحتياط، محذّرة من آثارها المدمرة على الاقتصاد.
كذلك أشار موقع واللا الإخباري وجيروزاليم بوست إلى أن استمرار المعارك في غزة والتوتر على الجبهة الشمالية يعمّقان المخاطر الاقتصادية ويجعلان الانهيار مسألة وقت إذا لم يتم التوصل إلى حلول سريعة.
 

فاتورة الخسائر
تقدّر المؤسسات الاقتصادية الإسرائيلية حجم الخسائر المباشرة وغير المباشرة منذ اندلاع الحرب بما يتجاوز 250 مليار شيكل، فيما يرى بعض الخبراء أن الرقم الفعلي قد يصل إلى 300 مليار شيكل عند احتساب الكُلف الإضافية الناتجة عن اتساع المواجهة في الشمال.
وتشمل هذه الخسائر الإنفاق العسكري، تعويضات المتضررين، خسائر الناتج، وانخفاض الإيرادات الضريبية.
 

الناتج المحلي تحت الضغط
تراجع النمو الاقتصادي بشكل واضح خلال عام 2024، إذ لم يتجاوز معدل النمو 0.9% مقارنة بالعام السابق، فيما انكمش ناتج قطاع الأعمال بنسبة تقارب 0.8%.
وفي الربع الرابع من 2023 وحده، سجّل الاقتصاد انكماشاً عاماً يقارب 20% على أساس سنوي، وهو ما عكس حجم الصدمة التي تلقاها السوق.
 

سوق العمل المنهك
من أبرز آثار الحرب استدعاء مئات آلاف جنود الاحتياط ومنع دخول العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية، ما أدى إلى نقص حاد في الأيدي العاملة. وقد انعكس ذلك بصورة خاصة على قطاعات البناء والزراعة والخدمات اللوجستية. كما أن الإخلاءات في الشمال تسببت بفقدان مزيد من القوى العاملة، الأمر الذي رفع تكاليف التشغيل وأخّر المشاريع الاستثمارية.
 

انهيار السياحة
شهد قطاع السياحة تراجعاً غير مسبوق، إذ هبط عدد السياح الوافدين بنحو 82% في الأشهر الأخيرة من 2023، ثم استمر التراجع الحاد خلال 2024 بنحو 75% مقارنة بالعام السابق.
هذا الانهيار ضرب إيرادات الفنادق وشركات الطيران وخدمات المطاعم والأنشطة السياحية، وأدى إلى إغلاق مؤسسات وتسريح آلاف العمال.
 

أزمة الطاقة والغاز
الاضطرابات الأمنية أجبرت الحكومة على وقف الإنتاج في بعض حقول الغاز مثل «تمار» و«كاريش» لفترات زمنية، وهو ما أضر بالإمدادات المحلية والتصدير، وتسبب بخسائر مالية مباشرة للدولة والشركات.
ويُنظر إلى هذا القطاع على أنه شريان حيوي للاقتصاد، وأي تعطّل فيه ينعكس سريعاً على الميزان التجاري والمالية العامة.
 

الشمال المشتعل
الجبهة الشمالية مع حزب الله فاقمت الأزمة، حيث تم إخلاء عشرات آلاف السكان من مستوطنات الشمال، وتعطّلت الزراعة والخدمات المحلية.
هذه الأوضاع فرضت على الحكومة إنفاق مليارات الشواكل على التعويضات والإغاثة، في وقتٍ تتراجع فيه الإيرادات.
 

عجز مالي وتراجع التصنيف
ارتفع عجز الموازنة إلى نحو 7% من الناتج المحلي في 2024، مع تسجيل بعض الأشهر نسباً أعلى.
العجز الضخم ترافق مع زيادة في الديون، وهو ما دفع وكالات التصنيف العالمية مثل "ستاندرد آند بورز" و"موديز" و"فيتش" إلى تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل، والتحذير من استمرار الضغوط المالية والاقتصادية في حال تواصلت الحرب.
هذه التخفيضات تجعل كلفة الاقتراض أعلى وتضغط على الميزانية لسنوات مقبلة.
 

نزيف يومي مستمر
المشهد العام يكشف أن الاقتصاد الإسرائيلي ينزف بشكل يومي:

  • استمرار انخفاض السياحة والتجزئة يضغط على دخل آلاف العائلات.
  • نقص العمالة يرفع الأجور ويؤخر المشاريع.
  • اضطرابات الطاقة تُعرّض الاقتصاد لصدمات متكررة.
  • العجز المالي وتكاليف الدين يهددان استدامة المالية العامة.

تؤكد معطيات الواقع أن إسرائيل تواجه واحدة من أخطر أزماتها الاقتصادية منذ تأسيسها، حيث اجتمعت الحرب الطويلة مع الضغوط الأمنية في الشمال والانهيار في القطاعات الإنتاجية والخدمية لتضع الدولة أمام مسار اقتصادي قاتم.
وبينما تراهن الحكومة على قدرة التكنولوجيا والقطاع المالي على التخفيف من الخسائر، فإن استمرار المقاومة الفلسطينية في استنزاف الاحتلال عسكرياً وأمنياً يعني أن النزيف الاقتصادي سيظل قائماً، وأن الحديث في الإعلام العبري عن انهيار اقتصادي لم يعد مجرد مبالغة إعلامية، بل انعكاس حقيقي لواقع متسارع نحو مزيد من التدهور.