رغم إعلان الحكومة المصرية مؤخراًتسديد نحو مليار دولار لشركات النفط الأجنبية، لا تزال أزمة ديون قطاع الطاقة تراوح مكانها، بل وتزداد تعقيداً. فبينما تُصدِر البيانات الرسمية أرقاماً توحيبالنجاح في خفض المديونيات وتحقيق تقدم في ملف الطاقة، يكشف الواقع الاقتصادي اليومي عن صورة مختلفة: ارتفاع مستمر في أعباء الاستيراد، تزايد اعتماد الدولة علىالاقتراض لتغطية فجوة الاستهلاك، وعجز واضح عن تحقيق الاكتفاء الذاتي. هذا التناقض بين الخطاب الرسمي والحقيقة على الأرض يثير تساؤلات حول مدى الشفافية، ويطرحسؤالاً محورياً: كيف تُسدد الديون بينما حجمها في ازدياد؟

 

تضخم الديون رغم السداد

الكاتب الصحفي أسامة داوود قال إن قطاع البترول المصري أعلن مراراً عن "خفض المديونية التاريخية" للشركاتالأجنبية، لكن الأرقام تكشف أن هذه المديونية تُعاد إنتاجها باستمرار نتيجة غياب خطة جادة لزيادة الإنتاج المحلي. مصر تسدد جزءاً من المتأخرات بالدولار، لكنها فيالوقت نفسه تواصل الاستدانة لاستيراد الغاز والوقود لسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك. النتيجة أن ما يُسدَّد من أقساط يُعوَّض بأعباء جديدة، فتظل الديونحاضرة ومتصاعدة، وكأن الدولة تدور في حلقة مفرغة من الدفع والاقتراض.

وأكد أن الحقائق تكشف أن مديونية قطاع البترول ارتفعت إلى نحو 5 مليارات دولار بخلاف قرض الأربعة مليارات من بنك مصر، رغم كل التصريحات التي تتحدثعن السداد وتقليص الالتزامات. البعض يرجع السبب إلى أن بعض الاتفاقيات التي تم توقيعها خلال السنوات الأخيرة جاءت في مصلحة الشركات الأجنبية، على حساب المصلحةالوطنية، ما خلق التزامات إضافية بدل تخفيف الأعباء.

هذه السياسة تجعل من أي إنجاز مالي مجرد إنجاز مؤقت، لأن ما يتم سداده اليوم يُعاد تحميله مرة أخرى في صورة التزامات جديدة، والنتيجة النهائية: تراكمالديون بدل خفضها.

 

غياب المحاسبة والرقابة

وتابع داوود السؤال الأبرز هنا: أين آليات المحاسبة؟ فبينما تُضخ مليارات الدولارات من أموال الشعب لسداد مستحقات شركاتالنفط العالمية، لا يُطرح نقاش جدي حول أسباب استمرار تراكم الديون. لا يعرف
المواطن كيف تُدار العقود، ولا ما إذا كانت هناك مراجعة لسياسات التوسع فيالاستيراد على حساب الاستثمار في البحث والتنقيب أو تطوير الحقول القائمة. كما تغيب الشفافية حول تكلفة المشروعات القومية التي رُوِّج لها باعتبارها ستجعل مصر"مركزاً إقليمياً للطاقة"، بينما الواقع يكشف أنها لم تُترجم إلى تخفيف أعباء المواطن أو تقليص الاعتماد على الخارج.

 

الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك

وأكد عضو نقابة الصحفيين السابق، أنه منذسنوات تعلن الحكومة عن اكتشافات غاز "عملاقة" مثل حقل ظهر، وتؤكد أن مصر في طريقها للتحول إلى مصدر صافٍ للطاقة. لكن على الأرض، ما يزال الاستهلاك المحلييتجاوز الإنتاج الفعلي، ما يضطر الدولة إلى استيراد الغاز الطبيعي المسال والمنتجات البترولية بأسعار مرتفعة، خصوصاً في ظل تقلبات السوق العالمية. هذهالفجوة هي السبب الحقيقي وراء استمرار الاستدانة: فالقدرة الإنتاجية لا تنمو بالسرعة الكافية، بينما الطلب الداخلي يزداد بفعل التوسع السكاني والضغط الصناعي.

 

صورة زائفة ونمو وهمي

وتحدث عن أن الإعلانات الحكومية عنتسديد ديون أو توقيع اتفاقات مع شركات أجنبية تخلق انطباعاً مضللاً بأن القطاع في حالة نمو. لكن هذه "الإنجازات" أقرب إلى معالجة ظاهرية للأعراض، لاعلاجاً لجذور الأزمة. فبدلاً من الاستثمار في رفع الكفاءة الإنتاجية وتطوير البنية التحتية للطاقة، يُفضَّل الحل الأسهل: الاقتراض والدفع من جديد. والنتيجة هي أنصورة "النمو" التي تُقدَّم للمواطنين لا تنعكس على حياتهم اليومية، حيث يظل انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار الوقود والغاز حقيقةً معيشية.

 

أزمة إدارة قبل أن تكون أزمة موارد

ولفت داوود أن أزمة ديون الطاقة في مصرليست مجرد عجز مالي، بل أزمة إدارة وشفافية. فلو كانت هناك خطة واضحة لزيادة الإنتاج، ومحاسبة جدية للمسؤولين عن تضخم المديونيات، لما كان القطاع يعاني هذهالدوامة المستمرة. لكن ما يحدث حالياً هو إعادة تدوير الأزمة عبر خطاب سياسي يجمّل الأرقام ويخفي العجز الحقيقي. وفي النهاية، يبقى المواطن المصري هو الضحية، إذ يدفعالثمن مرتين: مرة عبر أمواله التي تُوجَّه لسداد الديون، ومرة عبر معاناته من الغلاء وتراجع الخدمات.