شهدت الساحات الفلسطينية والعربية مساء أمس وقفات احتجاجية غاضبة عقب اغتيال الصحفي الفلسطيني أنس الشريف وزميله مراسل قناة الجزيرة، في جريمة جديدة تضاف إلى سجل جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الصحفيين.

هذه الوقفات، التي امتدت من غزة إلى عواصم عربية وعالمية، وجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي يواصل سياسة ممنهجة لردم الحقيقة والتغطية على المجازر التي ترتكبها قواته خلال عملياتها في قطاع غزة.
 

اغتيال مقصود لطمس الشهود
شهادات حقوقيين وصحفيين أكدت أن اغتيال أنس الشريف لم يكن عملًا عشوائيًا أو خطأ ميدانيًا، بل استهدافًا مباشرًا ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى إسكات الأصوات التي توثق جرائم الحرب.
أنس، الذي عرف بجرأته في نقل الحقيقة من قلب الميدان، كان من الصحفيين القلائل الذين يخترقون الجدار الناري للاحتلال ويكشفون للعالم صور المجازر بحق المدنيين.
 

نتنياهو وخطة "ردم الحقيقة"
يأتي هذا الاستهداف في وقت حساس، حيث يطبق نتنياهو خطة عسكرية معدّة منذ أشهر لاحتلال غزة، تتضمن تصفية ما تبقى من الأصوات الإعلامية الحرة داخل القطاع.
الفكرة بسيطة وخطيرة: إذا لم يكن هناك من ينقل الصورة، فلن يكون هناك من يحاسب على الجرائم.
منظمات حقوقية، مثل "مراسلون بلا حدود" و"هيومن رايتس ووتش"، وصفت هذه السياسة بأنها "إبادة إعلامية" لا تقل خطورة عن الإبادة الجماعية على الأرض.
 

وقفات احتجاجية تتحدى الرصاص
في قلب غزة المحاصرة، تجمع العشرات أمام مقر نقابة الصحفيين الفلسطينيين، رافعين صور أنس الشريف وزميله من الجزيرة، ومرددين شعارات تندد بـ"الإرهاب الإعلامي" الذي يمارسه الاحتلال.
وفي رام الله، شارك مئات في مسيرة ليلية أضاءوا خلالها الشموع، معتبرين أن دماء أنس وزملائه ستبقى لعنة تطارد الاحتلال وأعوانه.
 

ردود فعل دولية
في الدوحة، أصدرت شبكة الجزيرة بيانًا شديد اللهجة، حملت فيه إسرائيل مسؤولية قتل مراسليها، مؤكدة أن ما جرى هو جريمة حرب مكتملة الأركان. كما طالبت بفتح تحقيق دولي عاجل.
من جانبه، أدان الاتحاد الدولي للصحفيين الجريمة، ودعا إلى محاسبة المسؤولين عنها أمام المحكمة الجنائية الدولية، مشيرًا إلى أن إسرائيل قتلت 80 صحفيًا منذ بداية حرب غزة في أكتوبر 2023.
 

أصوات عربية تفضح المخطط
الإعلامي الأردني ياسر الزعاترة كتب على منصة "إكس": "اغتيال أنس الشريف رسالة واضحة: نتنياهو يريد غزة بلا شهود، بلا كاميرات، بلا صوت يصرخ في وجه العالم".
الصحفية اللبنانية غادة عويس علقت: "من يقتل الصحفيين يخاف من الحقيقة، ومن يخاف من الحقيقة يعرف أنه مجرم".
 

لماذا يخاف الاحتلال من الكاميرا؟
تاريخ الاحتلال الإسرائيلي مليء بمحاولات تغييب الحقيقة، من مجزرة جنين عام 2002، إلى استهداف شيرين أبو عاقلة في 2022، وصولًا إلى اغتيال أنس الشريف هذا الأسبوع.
الكاميرا بالنسبة للاحتلال ليست مجرد أداة إعلامية، بل سلاح يفضح جرائمه أمام الرأي العام العالمي، ولهذا يتعامل معها كما يتعامل مع السلاح في يد مقاوم.
 

شهادات من قلب الجنازة
أحد زملاء أنس في غزة قال: "كنا نعلم أننا أهداف مباشرة، لكن أنس لم يتراجع يومًا عن نقل الحقيقة. كان يقول: إذا متّ، لا توقفوا الكاميرا".
أما شقيقه الأكبر فأكد أن الأسرة كانت تتوقع استهدافه، لكنه رفض مغادرة الميدان رغم الخطر.
 

ما وراء خطة احتلال غزة
محللون سياسيون يرون أن استهداف الصحفيين جزء من التمهيد الميداني والسياسي لخطة احتلال غزة. فالاحتلال يريد إحكام السيطرة على الرواية الإعلامية، بحيث تكون صورته أمام الغرب "مدافعًا عن نفسه"، بينما في الحقيقة ينفذ عمليات تهجير وتصفية منظمة.
 

دماء لا تجف
بينما يحاول نتنياهو إخفاء جرائمه خلف جدران الصمت، فإن دماء أنس الشريف وزملائه ستظل شاهدة على أن الحقيقة لا تُردم بسهولة.
وكما قال أحد المتظاهرين في غزة: "يمكنهم قتل الصحفي، لكن لا يمكنهم قتل الحقيقة".