شهدت مدينة تل أبيب مظاهرة نادرة ومثيرة، نظّمها قادة الحركة الإسلامية في أراضي 1948 أمام السفارة المصرية، احتجاجًا على استمرار مصر في إغلاق معبر رفح ومنع دخول الإمدادات الإنسانية إلى قطاع غزة، حيث يعاني أكثر من مليوني إنسان من المجاعة والانهيار الصحي بعد عام و 10 أشهر من الحرب.
ارفعوا الحصار عن غزة
رفع المتظاهرون لافتات كُتب عليها "مصر تغلق المعبر.. وغزة تموت"، و"افتحوا المعبر.. أنقذوا الأطفال"، واتهموا القاهرة بالتواطؤ مع الحصار الإسرائيلي.
من بين المتحدثين كان الشيخ رائد صلاح، زعيم الحركة الإسلامية سابقًا، الذي قال: "مصر التي نحبها ونعرفها لا تغلق الباب على الجائع، ولا تمنع الدواء عن الطفل، ولا تشارك في خنق شعب يُذبح أمام العالم."
المظاهرة التي نُظمت في وضح النهار وسط إجراءات إسرائيلية مشددة، عكست حالة الغضب حتى من داخل أراضي الـ48، وكسرت حاجز الصمت الذي التزمت به العديد من الحكومات العربية.
إعلاميو السيسي.. الإخوان بيشتغلوا مع تل أبيب
ردّت وسائل الإعلام الموالية لنظام الانقلاب المصري بسرعة على المظاهرة، حيث وصف الإعلامي مصطفى بكري في برنامجه على قناة "صدى البلد" أن "الإخوان يستغلون تل أبيب لتشويه صورة مصر"، مضيفًا أن "الحركة الإسلامية في الداخل المحتل صناعة إسرائيلية منذ البداية".
بدوره، قال أحمد موسى على قناة "صدى البلد": "اللي واقف قدام سفارة مصر في تل أبيب هو عميل مزدوج، عاوز يظهر إن مصر بتحاصر غزة، ويغطي على جرائم حماس ضد شعب غزة."
ووصل الحد بالإعلام الموالي إلى اتهام المتظاهرين بأنهم "جزء من مشروع إسرائيلي–إخواني لضرب مكانة مصر في العالم العربي"، رغم أن قادة المظاهرة هم فلسطينيون ممن عاشوا نكبة 1948 ويُعرفون بمواقفهم المناهضة للصهيونية، بل واعتُقل بعضهم مرارًا من الاحتلال الإسرائيلي.
حقيقة الحركة الإسلامية في 48
تاريخيًا، لم تكن الحركة الإسلامية في الداخل المحتل متحالفة مع إسرائيل كما زعم إعلام السيسي، فقياداتها، وعلى رأسهم الشيخ رائد صلاح، قادوا سلسلة انتفاضات شعبية في القدس والأقصى، واعتُقلوا مرارًا بتهم "التحريض" و"الارتباط بتنظيمات معادية"، وتحديدًا بسبب دعمهم لغزة.
ففي عام 2017، اعتقلت سلطات الاحتلال الشيخ رائد صلاح ووضعته في الحبس الانفرادي 17 شهرًا بتهمة "تمجيد الشهداء".
وفي 2015، حظرت إسرائيل "الحركة الإسلامية – الجناح الشمالي" واعتبرتها منظمة غير قانونية بسبب دورها في انتفاضة القدس والمسجد الأقصى.
هذا السجل التاريخي ينفي تمامًا مزاعم أن المتظاهرين "عملاء لإسرائيل"، بل هم ضحايا للمشروع الصهيوني.
كما أن وجودهم أمام سفارة مصر لم يكن لتمجيد إسرائيل، بل لفضح تورط مصر في إغلاق المعبر الوحيد الذي لا تسيطر عليه إسرائيل بشكل مباشر.
لماذا يقلق النظام المصري من هذه المظاهرة الصغيرة؟
المظاهرة كانت صغيرة من حيث العدد، لكنها كبيرة من حيث الرمزية، فلسطينيون من الداخل المحتل يحتجون على حكومة عربية، وليس على إسرائيل.
وهذا هو مربط الفرس، فنظام الانقلاب المصري يعتمد منذ سنوات على دعاية مفادها أنه "حامي القضية الفلسطينية"، لكن واقع حصار غزة، وتعاون الأمن المصري مع إسرائيل في معبر رفح، كشف تناقضًا كبيرًا.
بحسب تقرير للأمم المتحدة (يونيو 2025)، فإن معبر رفح كان مغلقًا أكثر من 210 يومًا خلال الحرب على غزة، ولم يُسمح بدخول سوى 13% من الشاحنات التي كانت تدخل قبل الحرب.
يقول الدكتور عمر شعبان، الباحث في الشأن الفلسطيني: "مصر تمارس دورًا مركبًا، فهي تحاول إرضاء إسرائيل والولايات المتحدة، وتُقنع الرأي العام العربي أنها طرف محايد، بينما الواقع أنها تمنع الغذاء والدواء."
دور مصر في خنق غزة
وفق تقرير لمنظمة "أطباء بلا حدود" صدر في يوليو 2025، فإن أكثر من 70% من الحالات المرضية الحرجة في غزة لم تتمكن من الخروج للعلاج بسبب رفض السلطات المصرية فتح المعبر.
ووفق إحصاءات وزارة الصحة في غزة، توفي نحو 3,000 طفل بسبب الجوع أو نقص العلاج، وهي أرقام مرعبة تعود في جزء كبير منها إلى إغلاق معبر رفح.
في يونيو وحده، مُنع دخول 280 شاحنة محملة بمساعدات إنسانية كانت جاهزة في شمال سيناء.
ويتناقض هذا الأداء مع تصريحات السيسي نفسه الذي قال في قمة باريس 2023: "نحن لن نشارك في تجويع الفلسطينيين."
لماذا يهاجم إعلام السيسي كل من ينتقد؟
الرد العنيف من إعلام الانقلاب المصري على مظاهرة سلمية أمام سفارة، ليس غريبًا، بل هو امتداد لنهج القمع الداخلي لكل رأي مخالف.
منذ 2014، اعتُقل عشرات الصحفيين بسبب تغطياتهم لقضايا فلسطين أو انتقاد العلاقات مع إسرائيل.
وتشير بيانات "مراسلون بلا حدود" لعام 2025 إلى أن مصر لا تزال من بين أسوأ 10 دول في حرية الصحافة.
يرى المحلل السياسي يحيى حامد، الوزير السابق في حكومة د. هشام قنديل، أن "الهجوم على المتظاهرين في تل أبيب مجرد إسقاط نفسي: السيسي يخشى من أن تُكشف علاقاته مع تل أبيب، فيتهم الآخرين بما يفعله هو."
من الذي يخدم إسرائيل حقًا؟
حينما يحتج فلسطينيّ 48 على إغلاق مصر للمعبر، ويُهاجمون في إعلام القاهرة، تصبح الصورة واضح: ليس المتظاهرون من يخدم الاحتلال، بل من يغلق بوابة التنفس الوحيدة لغزة.
الحركة الإسلامية في أراضي 1948 ليست عميلة، بل جزء أصيل من النضال الفلسطيني، ولا يمكن لمزايدات إعلامية مأجورة أن تزوّر الحقيقة.
والمفارقة أن المتظاهرين احتجوا في قلب إسرائيل على دور مصر، في وقت يمنع فيه النظام المصري أي مصري من التظاهر لنفس الهدف.