أثارت زيارة محمد صلاح معبد «إيكوين» البوذي، كثيرًا من الجدل داخل الأوساط الدينية والإعلامية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ليتجاهل نجم كرة القدم المصري محمد صلاح، جميع الانتقادات، واصفا عبر صفحاته الرسمية، زيارته لمعبد "إيكوين" البوذي في اليابان، بأنها "تجربة ملهمة" أضافت له على المستوى الشخصي.
ولم تمر ساعات على هذا التصريح حتى تفجرت موجة من الانتقادات الواسعة التي وصلت إلى حد اتهامه بـ"الانخراط في طقوس دينية محرمة"، و"تجاوز الحدود العقائدية للمسلم".
وتصدرت عناوين النقاش في عدد من المنصات الإسلامية والرياضية على حد سواء. فقد نشر اللاعب صورًا له داخل المعبد وهو يؤدي طقوسًا اعتبرها البعض "دينية"، أو على الأقل "روحانية"، ما فتح بابًا واسعًا للانتقادات، وطرح تساؤلات حول وعي اللاعبين المسلمين بهويتهم الدينية، وتفسير هذا الانبهار المتكرر بالحضارات غير الإسلامية من قبل بعضهم.
منشور صلاح: "تجربة ملهمة" فجرت الغضب
نشر محمد صلاح عبر حسابه الرسمي على "إكس" (تويتر سابقًا) و"إنستغرام" صورًا له أثناء زيارته لمعبد "إيكوين" الياباني، أحد أعرق المعابد البوذية في منطقة كيوتو، وكتب:
"زيارة معبد إيكوين كانت تجربة ملهمة. التأمل في حضارة تعود لآلاف السنين يمنحك إحساسًا بالسلام الداخلي والانفتاح على ثقافات أخرى".
الصور أظهرت صلاح وهو ينحني أمام تمثال بوذا، في وضعية تشبه الطقوس التي يؤديها أتباع البوذية.
كما بدا مرتديًا زيًّا فضفاضًا تقليديًا يستخدم عادة في مناسبات التأمل الديني داخل المعابد.
هذا المشهد وحده كان كافيًا لإشعال موجة من التساؤلات:
هل كان صلاح مجرد سائح مهتم بالحضارة، أم مشارك ضمنيًا في شعائر دينية تتعارض مع الإسلام؟
ردود فعل غاضبة: مخالفة صريحة للثوابت الدينية؟
انهالت التعليقات الغاضبة من متابعين عبر مواقع التواصل فور انتشار صور محمد معبد إيكوين داخل المعبد، وهو يقوم بما بدا وكأنه إيماءة احترام أو تأمل أمام تمثال بوذا، أو ما يُعرف في السياق البوذي بـ"الانحناءة الطقسية"، وهو تصرف يرتبط عند أتباع البوذية بعقيدة التقديس.
ورأى كثيرون أن هذه المشاركة الرمزية في شعائر ديانة أخرى تمثل مخالفة واضحة للتعاليم الإسلامية، التي تمنع المسلم من التورط في أي شكل من أشكال التعبد لغير الله أو المشاركة في طقوس شركية.
في هذا السياق، كتب أحد علماء الأزهر على صفحته الشخصية:
"زيارة الأماكن التاريخية والثقافية لا بأس بها، لكن الانخراط في الشعائر الدينية لغير المسلمين، حتى وإن كانت بدافع الفضول أو المجاملة، أمرٌ محرم شرعًا، لأنه يُعد مشاركة في مظاهر شركية لا يقرها الإسلام".
وفي تعليق مماثل، قال الشيخ سامي الهدهد، وهو داعية معروف على مواقع التواصل:
"زيارة المعابد البوذية لا تعد إشكالية إذا تمت كسائح لا كمشارك في الطقوس، أما الانحناءة أمام تمثال بوذا، حتى لو كانت مجاملة، فهي مخالفة واضحة لتوحيد الله سبحانه وتعالى، وعلى اللاعب أن يتوب ويعتذر عن ذلك علنًا".
ردود المدافعين: بين السياحة والفضول الثقافي
في المقابل، دافع بعض المتابعين عن اللاعب، معتبرين أن الزيارة لا يمكن تفسيرها إلا في إطار السياحة والانبهار الثقافي بالحضارات القديمة، مؤكدين أن ما قام به لا يُقصد به التعبد، بل احترام المكان والاطلاع على ثقافة الآخر. وقال أحد الصحفيين الرياضيين في دفاعه عن اللاعب:
"علينا أن نفرق بين الفعل والنية، وبين الشعائر والاحترام الثقافي. اللاعب لم يبدُ أنه يعتنق البوذية أو يمارس طقوسها، بل فقط اطلع على ثقافة المكان كأي سائح في معبد فرعوني أو كنيسة أوروبية".
لكن هذا الدفاع لم يُقنع كثيرين من علماء الدين أو المهتمين بالهوية الإسلامية، الذين يرون أن حدود الاحترام لا ينبغي أن تتجاوز الثوابت العقائدية، ولا أن تبرر الانخراط في طقوس تتناقض مع التوحيد.
لماذا ينبهر بعض اللاعبين المسلمين بالحضارات الأخرى؟
هذه الواقعة ليست الأولى، فقد سبقتها حالات مشابهة من لاعبين مسلمين زاروا معابد هندوسية، أو شاركوا في طقوس شنتو اليابانية، أو عبّروا عن إعجابهم العلني بـ"الروح الشرقية" أو فلسفة "الزن" البوذية، ما يطرح تساؤلًا أعمق: لماذا ينجذب بعض المسلمين، خصوصًا المشاهير، إلى حضارات غير إسلامية رغم نشأتهم في بيئة إسلامية؟
يُرجع علماء النفس والاجتماع هذا التوجه إلى عدة عوامل، أبرزها:
1. الفراغ الروحي في عالم الاحتراف
الاحتراف الرياضي يتطلب ترك الأسرة والمجتمع والانغماس في نمط حياة مادي ضاغط، يتسم بالشهرة والمال والضغط. ووسط هذا العالم، يعاني كثير من اللاعبين من الفراغ الداخلي ويبحثون عن راحة نفسية أو سلام داخلي، وغالبًا ما يجدون هذه العناوين في الثقافة الآسيوية التي تقدم مفاهيم مثل "التأمل" و"الاتزان الذاتي" و"الطاقة الإيجابية".
2. ضعف التكوين الديني
كثير من اللاعبين لم يتلقوا تعليمًا دينيًا متينًا يؤهلهم لتمييز ما يجوز وما لا يجوز، خصوصًا في المواقف الحساسة. هذا الجهل يجعل بعضهم لا يدرك حدود الشريعة الإسلامية في التعامل مع الرموز الدينية الأخرى، وقد يعتقد أن ما يفعله من باب "الانفتاح" أو "التعايش"، بينما هو في حقيقته تجاوز للمحرم.
3. التأثر بالثقافة العالمية وموجة "الزن"
الثقافة العالمية في الغرب مبهورة بالحضارة اليابانية والصينية والفلسفات الشرقية عمومًا، كجزء من موجة "العودة للطبيعة" و"التصالح مع الذات". هذه المفاهيم يتم تسويقها من خلال الأفلام والكتب ووسائل الإعلام على أنها بديل للفراغ الروحي الغربي. ومع تصدير هذه الصورة، يتأثر بها اللاعبون وغيرهم من المشاهير، دون وعي كافٍ بالفارق بين "السكينة" و"الاعتقاد".
الحل: التوعية قبل المحاسبة
ليس المطلوب جلد اللاعبين أو فضحهم بقدر ما هو ضروري أن يُعاد تأهيلهم ثقافيًا ودينيًا، خصوصًا أنهم يمثلون قدوات للملايين من الشباب. ينبغي أن تكون لدى الأندية والاتحادات برامج إرشاد نفسي وديني، يوضح للاعبين كيف يتصرفون عندما يزورون دولًا أخرى، وكيف يفرقون بين السياحة الثقافية والانخراط الديني.
وقد سبق لبعض الأندية الأوروبية، مثل مانشستر سيتي وبرشلونة، أن قدّمت جلسات تثقيف ديني للاعبين المسلمين ضمن برامج "التنوع الثقافي"، ما ساهم في بناء وعيهم بمواقفهم كمسلمين في بيئات متعددة الأديان.
الخلاصة: المشاهير تحت المجهر، ومسؤوليتهم مضاعفة
زيارة محمد لمعبد إيكوين البوذي ليست مجرد زيارة عابرة، بل هي حدث يرمز إلى أزمة أكبر يعاني منها كثير من المشاهير المسلمين، وهي الاغتراب عن مرجعيتهم الدينية، والانجراف خلف انبهار سطحي بثقافات لا تنتمي إليهم.
وبين الغضب الشعبي والتبريرات الإعلامية، يبقى المطلوب أن يتوقف اللاعب، وكل من هم في موقع القدوة، ليراجعوا أنفسهم، ويدركوا أن الشهرة لا تُعفي من المسؤولية، بل تجعلها أكبر.
فالنجاح الرياضي لا يُعفي من المسؤولية العقدية، والاعتراف بالخطأ حين يقع شجاعة لا ضعفًا. ولعل ما يحتاجه محمد صلاح الآن ليس مجرد توضيح لغوي، بل موقف أخلاقي يوضح بجلاء تمسكه بعقيدته واعتزازه بهويته الإسلامية.