كشفت صحيفة ذا ماركر الاقتصادية الإسرائيلية عن تعرض معهد وايزمان للعلوم، أحد أبرز المؤسسات البحثية في إسرائيل والعالم، لأضرار بالغة نتيجة هجوم صاروخي إيراني وقع في منتصف يونيو الجاري، ما تسبب في دمار واسع النطاق وخسائر مالية وعلمية فادحة قد تؤدي إلى تجميد مشاريع بحثية حساسة.

ووفقًا للصحيفة، أدلى رئيس المعهد، البروفيسور ألون تشين، بشهادته أمام لجنة المالية في الكنيست، مؤكدًا إصابة مبنيين تابعين للمعهد إصابة مباشرة بصاروخين باليستيين. واستهدف الهجوم معهد أولمان لأبحاث السرطان، ومبنى دولارو المتخصص في الكيمياء والمواد المتقدمة، الذي شُيّد مؤخرًا بتكلفة تقارب 140 مليون دولار. ولم يعلق تشين على أضرار محتملة لمواقع ذات طبيعة عسكرية داخل المعهد.

ويُوصف معهد وايزمان بـ"العقل النووي الإسرائيلي"، نظرًا لدوره الحيوي في دعم المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. إذ يساهم المعهد في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات الاستخبارية، وتوجيه الطائرات المسيّرة، كما يعمل على تصميم أسلحة ذكية، وأجهزة تعقب دقيقة، وتقنيات للتشويش والحماية الإلكترونية.

وتشمل مجالات عمل المعهد أيضًا أبحاث الطاقة الموجهة، وتطوير تقنيات نووية، وأنظمة الأقمار الاصطناعية العسكرية، ما يعكس أهمية المنشأة على المستويين العلمي والأمني داخل إسرائيل.

 

دمار بكل الزوايا

وقال رئيس المعهد إن مبنى الكيمياء تلقى إصابة مباشرة في طابقه الخامس، موضحا أن هدمه وإعادة بنائه أمر حتمي. كما أُغلق حرم المعهد لمدة أسبوعين كاملين بعد الهجوم، قبل أن يُعاد فتحه جزئيا أمس مع استمرار أعمال إزالة الركام وتقييم حجم الأضرار.

ونقلت الصحيفة عنه أن الأضرار الناتجة عن الانفجار امتدت إلى جميع أرجاء الحرم الجامعي، وأن 5 مبانٍ من أصل 112 مبنى متضررا بحاجة إلى إعادة بناء كاملة، من بينها مبنى العلوم البيئية، في حين سيخضع نحو 60 مبنى آخر لعمليات ترميم بدرجات متفاوتة من الأضرار.

والأخطر من ذلك، وفق تشين، أن الدمار طال المراكز البحثية ما قبل السريرية، والتي تضم أكثر من 100 ألف فأر تجارب تُستخدم في أبحاث أمراض مثل ألزهايمر، وباركنسون، وأنواع متعددة من السرطان.

وقال تشين للجنة "هذه ليست مجرد حيوانات تجارب، بل نماذج علمية ثمينة بُنيت عليها دراسات استمرت سنوات. فقدانها يمثل كارثة علمية حقيقية".

كما تضررت غرفة الآلات المركزية، المسؤولة عن تشغيل أنظمة الكهرباء والتكييف والمياه في الحرم. وأشارت الصحيفة إلى أن منطقة السكن التابعة للمعهد تضررت هي الأخرى، لكن لحسن الحظ لم تُسجل أي إصابات بشرية في الهجوم.

وذكرت "ذا ماركر" أن تشين عرض أمام لجنة المالية خريطة جوية ملونة توضح حجم الأضرار، حيث ظهرت مناطق بأكملها ملونة بالأحمر، في دلالة على أضرار جسيمة، بينما وُصفت مناطق أخرى باللونين البرتقالي والأصفر وفقا لدرجة الضرر ومدى الحاجة للترميم أو إعادة البناء.

ولفتت الصحيفة إلى أن الرقابة العسكرية الإسرائيلية سمحت بنشر هذه التفاصيل للمرة الأولى (ما يعني أن الأضرار في الأجزاء العسكرية لم يتم الكشف عنها)، وسط تقديرات بأن أعمال إعادة البناء قد تستغرق ما بين 3 و5 سنوات، ما أثار قلق أعضاء اللجنة بشأن تأثير ذلك على مكانة إسرائيل البحثية عالميا.

 

تهديد مستقبل البحث

وقدرت الصحيفة حجم الأضرار المباشرة في المباني والمعدات بنحو 1.5 إلى ملياري شيكل (نحو 443 مليون دولار)، لكن تشين بيّن أن الخسائر العلمية والاقتصادية طويلة المدى أكبر بكثير ولا يمكن حصرها بالأرقام.

وتساءل أمام اللجنة قائلاً "إذا كان لدينا عالمٌ جمع عينات سريرية من مرضى السرطان على مدى 25 عاما، فكيف نحسب هذه الخسارة؟ كيف نُقدّر ضياع عقود من العمل البحثي؟".

كما انتقد تشين "قصور" آلية تعويض الأضرار القائمة على ضريبة الأملاك، موضحا "لو اشترينا ميكروسكوبا بمليون دولار قبل 5 سنوات، فإن قيمته الدفترية اليوم قد لا تتجاوز 200 ألف دولار، بينما نحتاج عمليا إلى شراء ميكروسكوب جديد بسعر 1.5 مليون دولار. من سيتحمل هذه الفجوة؟".

وزعمت الصحيفة أن معهد وايزمان يُدار كمؤسسة غير ربحية، ولا يحصل سوى على نحو 20% من ميزانيته من تمويل الدولة، مقارنة بمتوسط 70% في الجامعات الإسرائيلية الأخرى.

وقال تشين "ميزانية التطوير لدينا تعتمد بالكامل على التبرعات والعوائد الذاتية. ليست لدينا رسوم دراسية، وإذا اضطررنا لاستخدام مدخراتنا لإعادة البناء، فلن يتبقى لدينا ما نمول به التشغيل اليومي".

وحذر رئيس المعهد من أن استمرار الأزمة قد يدفع المعهد إلى تجميد استيعاب باحثين جدد، قائلاً "نقبل بين 10 إلى 15 باحثا جديدا كل عام. إذا لم يتوفر لدينا 60 مختبرا جاهزا، فلن نتمكن من قبول أي باحثين جدد. وهذا سيُحدث فجوة خطيرة في البحث العلمي بإسرائيل".

وخلال الجلسة، دعا عضو الكنيست عوديد فورر إلى إنشاء آلية خاصة لإعادة تأهيل المعهد، قائلاً "هذه ليست حالة تعويض عادية. نحن أمام ضرر مباشر وغير مباشر واستكشافي. يجب أن تكون هناك آلية خاصة يديرها مسؤول حكومي رفيع لتوحيد جميع الأطراف".

أما عضوة الكنيست ميراف كوهين من حزب "يش عتيد"، فأكدت ضرورة تحصين المباني البحثية، مضيفة "سمعت عن باحثين كانوا يركضون لإنقاذ العينات من الثلاجات وقت الإنذارات. هذا درس علينا استيعابه. لا يجوز أن تضطر مؤسسات علمية تنقذ الأرواح إلى التسول من أجل التمويل. يجب توجيه ضرائبنا لهذا الهدف".

وفي ختام النقاش، بقي السؤال الأكبر بلا إجابة: كيف يمكن تعويض ربع أبحاث معهد وايزمان التي دمرتها الصواريخ الإيرانية، وكيف يمكن استعادة 25 عاما من الأبحاث التي تحولت إلى رماد في لحظة؟

غير أن السؤال الأهم الذي لم يتطرق له تقرير الصحيفة هو طبيعة وحجم الدمار الذي وقع في أجزاء المعهد المسؤولة عن الأبحاث والتطوير العسكري.