تنتشر حقول الزراعة على طول الطريق الإقليميي بمحافظة المنوفية، ومع زرع شتلات الأرز الصيفية وبدء الحاجة لعمال رخصاء، تبرز ظاهرة عمالة الأطفال في قرى مراكز المحافظة؛ ويعتبر العديد من الأطفال العمل في الأرض الزراعية فرصة لجني الأموال، لكن بدلا من ذلك رجع العديد من هؤلاء الأطفال في نعوش لأسرهم.
وارتفعت حالات الوفيات فى حادث تصادم بين سيارة ميكروباص وأخرى نقل على الطريق الإقليمى بمحافظة المنوفية لـ19 شخصا حتى الآن وذلك بعد وفاة 10 من المصابين من عمال اليومية، معظمهم من الأطفال .
أوضح عدد من الأطفال الناجين أن سائق السيارة ومقاول الأنفار يتولان المرور عليهم يوميًا لنقلهم بالسيارة وتوزيعهم على أصحاب الأراضي وذلك منذ عدة أيام خصوصا مع انتهاء الامتحانات، ثم إعادتهم مرة أخرى إلى قريتهم. وأشار الأطفال إلى أن أعمارهم لا تتجاوز الخامسة عشرة، وأنهم ييخرجون فجرا ويعملون من الساعة السابعة صباحًا وحتى الخامسة مساءً يوميًا، مقابل 100 جنيه لكل منهم عند العودة إلى القرية.
يرجع مراقبون ظاهرة عمل الأطفال إلى الفقر والضغوط الاقتصادية، فغالبية الأسر التي يعمل فيها الأطفال من الفقراء، ويسهم عمل أطفالهم بدخل إضافي يقدر ما بين 25 و40 في المئة من دخل الأسرة.
في قرى مصر وداخل الأحياء الشعبية بالقاهرة تنتشر مظاهر عمالة الأطفال، سواء في الزراعة أو الأعمال الحرفية والخدمية، وهي ظاهرة تتزايد في أوقات الأزمات الاقتصادية، في ظل فشل الحكومات المتعاقبة من القضاء عليها منذ الانقلاب العسكري بـ 2013.
كما أن انخفاض فرص التعليم خصوصاً في المناطق الريفية التي تتسم بضعف البنية التحتية للتعليم في المناطق الريفية، يزيد من تسرب الأطفال نحو سوق العمل.
1.6 مليون طفل في سوق العمل وفق آخر مسح
لا تنشر الحكومة توثيقا حديثا لواقع عمالة الأطفال؛ فآخر مسح قومي بهذا الخصوص أجراه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء كان منذ سنوات.
وبعيدا عن المسوح الرسمية فعين المتجول بشوارع البلاد لا تُخطئ مئات الآلاف من الأطفال الذين يعملون في مجالات مختلفة.
وبحسب آخر مسح، فهناك 1.6 مليون طفل عامل بمصر، أي ما يوازي نحو 9.3% من الأطفال في مصر، ويتعرض 82.2% منهم للعمل في ظروف عمل سيئة وغير آمنة.
وتصل نسبة الأطفال العاملين لعدد ساعات أكثر من 6 ساعات يوميا نحو 16.9% من جملة الأطفال العاملين.
ويزيد معدل عمل الأطفال في المناطق الريفية عنه بالمناطق الحضرية، إذ تمثل الزراعة أعلى القطاعات استقطابا لعمالة الأطفال بنسبة 63% من إجمالي الأطفال العاملين، ويليه قطاع التعدين والتشييد والصناعات التحويلية بنسبة 18.9%، ويضم قطاع الخدمات 17.6%.
ووفق الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فقد وصل عدد الأطفال الأقل من 18 سنة -في منتصف العام الماضي- إلى 41.5 مليون طفل، منهم 21.4 مليون ذكر و20 مليون أنثى، يعيش منهم في الريف 25.3 مليون طفل.
ولا تعد عمالة الأطفال مشكلة محلية بل عالمية؛ فحسب تقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، هناك 160 مليون طفل يُصنفون عمالة أطفال على مستوى العالم في عام 2020.
قوانين غير مفعلة
وبعيدا عن واقع الشارع المزدحم بالأطفال العاملين، تتنوع التشريعات واللوائح المانعة والمنظمة لعمالة الأطفال في مصر.
وتنص المادة 80 من الدستور المصري على التزام الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري، كما تحظر تشغيله قبل تجاوز سن إتمام التعليم الأساسي، وتحظر تشغيله في الأعمال التي تعرضه للخطر.
وقبل سنوات، وافق البرلمان على قانون العمل الجديد الذي تضمن بنودا تخص الطفل، وعدّها معنيون وقتئذ "تشريعا" لعمالة الأطفال تحت سن 18 سنة.
وشملت مواد القانون الجديد حظر تشغيل الأطفال قبل بلوغ 15 عاما، مع جواز تدريبهم حتى يبلغوا 14 عاما بما لا يعيق مواصلة تعليمهم، مع إلزام صاحب العمل الذي يستخدم من هم دون 16 عاما بمنحهم بطاقة تفيد عملهم لديه.
كما حظر تشغيل الأطفال أكثر من 6 ساعات يوميا تتخللها فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة، بحيث لا يعمل الطفل أكثر من 4 ساعات متصلة، مع حظر العمل فترات إضافية أو في أيام العطلات، وفي جميع الأحوال يمنع العمل بين السابعة مساء والسابعة صباحا.
ورغم أن القانون ينص على آليات تفتيش العمل إلا أنه يستثنى من ذلك قطاع الزراعة البحتة، وهو الذي يضم أغلب الأطفال العاملين.
ثمة تحديات تمثل عائقا في الحد من ظاهرة عمالة الأطفال، وفق تقرير نشره المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية؛ أولها البعد الاقتصادي، خاصة مع النمو السكاني المطرد الذي ينتج عنه انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي، وبالتالي انخفاض مستوى المعيشة؛ مما يؤدي إلى التسرب من التعليم ونقص مظلة الحماية الاجتماعية، وهو ما يدفع الأطفال إلى سوق العمل.
ويمثل البعد الاجتماعي ثاني التحديات -حسب التقرير البحثي الذي حمل عنوان "التنمية من أجل القضاء على عمالة الأطفال"- حيث تدفع مشاكل التفكك الأسري إلى اتجاه الأطفال للعمل من أجل الهروب من المنازل، بجانب تواضع المستوى الثقافي للأسرة، وانخفاض المستوى التعليمي للوالدين، وبالتالي تنظر الأسرة للعمل بوصفه أولوية عن التعليم.
ويتعلق التحدي الثالث بصاحب العمل الذي يقدم على تشغيل الأطفال بسبب تدني أجورهم، بالإضافة إلى التخلي عن الشروط والالتزامات المتعلقة بالتأمين الصحي والاجتماعي والضرائب وتوفير ظروف وشروط عمل ملائمة لهم.
وذكر التقرير عدة عقبات تساعد في تفاقم ظاهرة عمالة الأطفال ويستوجب تذليلها من خلال:
- تحديث البيانات المتعلقة بعمالة الأطفال في مصر للمساعدة في دراسة الظاهرة بشكل أكثر واقعية.
- توفير البيانات الخاصة بعدد الأطفال المنخرطين في العمل المنزلي، وتوفير نظام رقابة وإشراف لهذا النمط من الأعمال.
- توسيع مظلة الحماية الاجتماعية التي تضمن عدم لجوء الأسرة محدودة الدخل لعمل الأطفال وضمان عدم تسريبهم من العملية التعليمية.
- الاهتمام بتأهيل موارد بشرية متخصصة في مجال حماية الأطفال بوجه عام وعمالة الأطفال بوجه خاص.
- تعديل التشريعات التي تجيز عمل الأطفال في مجال الزراعة.
- إدماج منظمات المجتمع المدني بشكل أكبر في عملية التصدي لظاهرة عمالة الأطفال.
- توفير المراكز التعليمية المهنية البديلة للأطفال العاملين الذين تسربوا من العملية التعليمية.