يرى الكاتب ديفيد هيرست في مقال نشره موقع ميدل إيست آي أن إسرائيل أعادت ارتكاب الخطأ الذي وقعت فيه ألمانيا النازية عندما اعتبرت قصف كوفنتري البريطانية عام 1940 انتصارًا ساحقًا، ليتبيّن سريعًا أن ما بدا نصرًا لم يكن سوى مقدمة لفشل استراتيجي. فخلال 12 يومًا فقط من بدء ضرباتها على إيران، تحوّل ما وصفته القيادة الإسرائيلية بانتصار خاطف إلى أزمة عسكرية وسياسية أظهرت عجز إسرائيل عن فرض إرادتها في المنطقة كما كانت تفعل سابقًا.
المقال يشير إلى أن أياً من أهداف الحرب التي وضعتها إسرائيل لم يتحقق. البرنامج النووي الإيراني لم يُدمر كما زعمت تل أبيب وواشنطن، بل تؤكد تقارير استخباراتية أمريكية أن الضربات لم تمس المكونات الأساسية للمشروع، وأقصى ما فعلته أنها أخّرته لعدة أشهر. أجهزة الطرد المركزي نُقلت قبل الهجوم، ومخزون اليورانيوم المخصب لا يزال في مكان غير معروف. كذلك القوة الصاروخية الإيرانية التي أرادت إسرائيل تحييدها أثبتت فاعليتها، إذ تسببت في أضرار جسيمة داخل إسرائيل، شملت منشآت حيوية كمصفاة نفط ومحطة طاقة، وتجاوزت كل ما ألحقته صواريخ حماس أو حزب الله سابقًا. أمّا النظام الإيراني، فلم يتصدّع بل زاد تماسكًا، وخرجت الجماهير في الداخل متحدة وراءه بدافع وطني كردّ فعل على الهجوم الإسرائيلي المفاجئ.
يوضح الكاتب أن نتنياهو، الذي سعى لتوسيع المعركة وجر الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة، وجد نفسه في موقف صعب بعدما أوقف دونالد ترامب الحرب فجأة. فرغم وعوده بالدعم، مارس الرئيس الأمريكي ضغطًا كبيرًا لإنهاء العمليات بسرعة، وأرسل رسائل علنية وصريحة طالب فيها إسرائيل بعدم الاستمرار في القصف. بدا هذا التحول مفاجئًا لحكومة تل أبيب التي اعتقدت أنها تقود الحرب وتتحكم في مسارها، فإذا بها تكتشف أن قرار الحرب والسلم لم يعد بيدها بالكامل.
يحلّل المقال الصراع على مستوى الخطاب أيضًا. فالسردية الإسرائيلية التي تعتبر أن العرب لا يملكون القوة الكافية لمواجهة إسرائيل، وأن عليهم القبول بالأمر الواقع والتطبيع، تصطدم اليوم بسردية أخرى تزداد صلابة، مفادها أن إسرائيل لا يمكن أن تنعم بالسلام طالما استمرت في احتلالها وهيمنتها. من وجهة النظر هذه، لا يتعلق الصراع بوجود اليهود في فلسطين، بل بالاحتلال والنظام العنصري الذي تقيمه إسرائيل. هذا المنظور تعززه اليوم مقاومة غزة وصمود إيران، ما يضعف صورة إسرائيل التي لطالما قدّمت نفسها كقوة لا تُقهر.
إيران، رغم الخسائر التي تكبدتها، أثبتت قدرتها على الصمود والمواجهة. لم تسقط طائرات إسرائيلية لكنها استنزفت منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي وأجبرت ملايين الإسرائيليين على الاحتماء في الملاجئ، وفرضت على إسرائيل معادلة ردع جديدة تفتح الباب لحرب استنزاف طويلة لا تقدر تل أبيب على تحمّلها. وبينما كانت القيادة الإسرائيلية تتوقع حسمًا سريعًا، انتهى الأمر برسالة أمريكية صارمة تُجبرها على وقف الهجوم.
ينتقد هيرست موقف القوى الأوروبية التي تخلّت عن أي محاولة للوساطة أو التهدئة، ولم تدن الهجوم على إيران رغم عدم شرعيته قانونيًا. وبصمتها هذا، تكون قد قوضت النظام الدولي الذي تدّعي الدفاع عنه، وفقدت القدرة على لعب أي دور مؤثر في تهدئة النزاعات الإقليمية.
يخلص المقال إلى أن إسرائيل لم تعد الطرف القادر على فرض قواعد اللعبة كما اعتادت. لم تسقط، لكنها اهتزّت. أما إيران، فخرجت من المعركة بوضع أكثر قوة، وهي اليوم قادرة على اختيار توقيت العودة إلى المفاوضات أو الانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي إذا أرادت، بعدما فقدت الثقة في الضمانات الدولية. وبينما تواجه إسرائيل وواشنطن مساءلة داخلية متزايدة، يظل الغائب الأبرز عن المشهد هو أي مخرج سياسي حقيقي، ما يعني أن جولة أخرى من التصعيد قد لا تكون بعيدة.
https://www.middleeasteye.net/opinion/israels-failure-subdue-iran-shows-it-can-no-longer-dictate-regional-order