استأنف الاحتلال الإسرائيلي ضخ الغاز الطبيعي إلى مصر بكميات أولية تُقدّر بنحو 80 مليون قدم مكعب يوميًا، بعد انقطاع استمر خمسة أيام نتيجة التصعيد العسكري مع إيران. وأفاد موقع "الشرق بلومبيرج" أن الكميات المتدفقة من المتوقع أن ترتفع تدريجيًا لتصل إلى نحو 650 مليون قدم مكعب يوميًا بحلول يوم الجمعة المقبل، مقارنةً بمعدل يومي تجاوز مليار قدم مكعب قبل اندلاع المواجهات.
وكانت صحيفة "واشنطن بوست" قد كشفت في وقت سابق أن إسرائيل أوقفت مؤقتًا تشغيل حقل "ليفياثان" البحري، وهو أكبر منشأة لديها لإنتاج الغاز الطبيعي، بسبب مخاوف أمنية أعقبت الهجوم الجوي الإسرائيلي على منشآت عسكرية ونووية داخل إيران. وقد تسبب هذا القرار في تعليق إمدادات الغاز لكل من مصر والأردن، ما أثار قلقًا متزايدًا بشأن استقرار منظومة الطاقة الإقليمية.
وبحسب الصحيفة، فعّلت وزارة البترول بحكومة السيسي خطة طوارئ عاجلة للحفاظ على توازن إمدادات الطاقة وضمان استمرارية تشغيل محطات الكهرباء، في ظل توقف إمدادات الغاز الإسرائيلي. وقد جاء الإغلاق الإسرائيلي لمنشآت الغاز البحرية كإجراء احترازي تحسّبًا لأي رد إيراني يستهدف البنية التحتية الحيوية.
وتُعدّ عودة ضخ الغاز خطوة ضرورية لتخفيف الضغوط المتزايدة على مصر، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها شبكة الكهرباء بسبب ارتفاع درجات الحرارة وتزايد الطلب على الطاقة خلال الصيف.
يُعد حقل "ليفياثان"، الواقع في شرق البحر المتوسط، أحد أهم مصادر الغاز الطبيعي في المنطقة، بطاقة إنتاجية تصل إلى نحو 1.2 مليار قدم مكعب يوميًا. وتدير هذا الحقل شركة "شيفرون" الأميركية، ويغذي احتياجات السوق المحلي في إسرائيل، بالإضافة إلى مصر والأردن، عبر شبكة من خطوط الأنابيب العابرة للحدود.
من التصدير إلى الاستيراد
ومنذ عام 2020، بدأت مصر باستيراد الغاز من حقلي "ليفياثان" و"تمار" بموجب اتفاق طويل الأجل يمتد لـ15 عامًا، بعد أن كانت القاهرة مصدّرًا رئيسيًا للطاقة. ويعود هذا التحول إلى تراجع الإنتاج المحلي وصعوبة الوفاء بالطلب المتزايد على الطاقة، خاصة في فترات الذروة الصيفية.
ويُنتج حقل "تمار"، الذي تديره أيضًا "شيفرون"، نحو 1.1 مليار قدم مكعب يوميًا، ما يجعل الحقلين معًا حجر أساس في تلبية جزء كبير من احتياجات مصر من الغاز، خاصة في ظل تزايد استهلاك الكهرباء لتشغيل أجهزة التكييف خلال شهور الصيف.
اضطراب في الإمدادات الإقليمية
ويحذر خبراء الطاقة من أن أي تعطّل في الإمدادات القادمة من إسرائيل قد يؤدي إلى اضطرابات ملموسة في السوق الإقليمي، لا سيما في مصر التي تواجه أصلاً صعوبات متزايدة في تلبية الطلب المحلي. وتشير التوقعات إلى أن استمرار الانقطاعات قد يُجبر القاهرة على العودة إلى السوق العالمية لشراء الغاز الطبيعي المسال بأسعار مرتفعة وفي سوق يعاني أصلًا من نقص المعروض.
كما أن تعليق الصادرات الإسرائيلية يهدد بخنق خطط مصر التوسعية في تصدير الغاز المسال، مما يشكل ضغطًا إضافيًا على احتياطاتها الاستراتيجية، في وقت تشهد فيه البلاد ارتفاعًا حادًا في درجات الحرارة والأحمال الكهربائية.
تعليق الإنتاج في "كاريش"
وفي سياق متصل، أعلنت شركة "إنرجيان" اليونانية تعليق إنتاج الغاز من حقل "كاريش" البحري، الواقع قبالة السواحل الإسرائيلية، تنفيذًا لتوجيهات وزارة الطاقة الإسرائيلية، التي ربطت القرار بـ"التصعيد الجيوسياسي الأخير".
وقالت الشركة، في بيان أصدرته يوم الجمعة، إنها أوقفت جميع العمليات على متن وحدة الإنتاج والتخزين والتفريغ العائمة (FPSO)، ووجهت إشعارات رسمية للعملاء والجهات التنظيمية، مؤكدة أن سلامة العاملين تأتي في مقدمة أولوياتها.
ورغم أن حقل "كاريش" أصغر من "ليفياثان" و"تمار"، فإنه يمثل مكونًا مهمًا في منظومة الطاقة الإسرائيلية، لا سيما بعد أن رفعت "إنرجيان" إنتاجه في نهاية عام 2022 ليصل إلى نحو 8 مليارات متر مكعب سنويًا، أي ما يعادل 775 مليون قدم مكعب يوميًا.
وتواصل الشركة محادثاتها مع الحكومة الإسرائيلية لاستئناف الإنتاج في أقرب وقت، وإن لم يتم تحديد إطار زمني واضح لذلك حتى الآن.
أزمة طاقة متصاعدة
تكشف هذه التطورات المتلاحقة عن هشاشة أمن الطاقة في منطقة شرق المتوسط، ومدى تأثر دول مثل مصر بتقلبات الإمدادات الخارجية. وبينما تسعى القاهرة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة وتعزيز صادرات الغاز، تعيد الأحداث الأخيرة تسليط الضوء على هشاشة المعادلة، وحاجة مصر الماسة إلى تنويع مصادر الاستيراد ورفع كفاءة الإنتاج المحلي، خاصة في ظل التوترات الإقليمية المتزايدة.
مصر ترفع حالة الطوارئ
رفعت حكومة السيسي حالة التأهب في قطاع الطاقة، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وتأثيرها المحتمل على تدفق الغاز الطبيعي من الاحتلال الإسرائيلي. وكشفت مصادر مطلعة في قطاع الطاقة أن الحكومة تتابع عن كثب تطورات الأوضاع، رغم عدم تلقيها إخطارًا رسميًا من الجانب الإسرائيلي بشأن تقليص كميات الغاز الموردة حتى الآن.
وأشارت المصادر إلى أن الاحتياطات التي تتخذها الحكومة تعكس مخاوف حقيقية من توقف كامل في الإمدادات، خاصة في ظل محدودية المخزون المتوفر بمحطات توليد الكهرباء، والذي لا يكفي لمواجهة انقطاع طويل الأمد.
وفي هذا الإطار، ترأس وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، محمود عصمت، اجتماعًا طارئًا يوم الجمعة الماضي، ضم قيادات الوزارة، لمناقشة سيناريوهات التعامل مع أي اضطراب محتمل في إمدادات الغاز. ووجه الوزير مسؤولي شركات التوزيع برفع درجة الاستعداد القصوى، والتنسيق الكامل مع مراكز التحكم لضمان استقرار التغذية الكهربائية لكافة الاستخدامات، بما في ذلك القطاع الصناعي والمنازل والمرافق الحيوية.
وتأتي هذه التحركات في وقت تشير فيه البيانات الرسمية إلى أن مصر استوردت نحو 2.55 مليار متر مكعب من الغاز من إسرائيل خلال الربع الأول من عام 2025، أي ما يعادل نحو مليار قدم مكعبة يوميًا، مقارنة بـ2.63 مليار متر مكعب (1.03 مليار قدم مكعبة يوميًا) خلال نفس الفترة من عام 2024، ما يعكس تراجعًا طفيفًا في الكميات.
ويحذر خبراء من أن أي توقف إضافي في الإمدادات الإسرائيلية قد يضع ضغوطًا متزايدة على شبكة الكهرباء المصرية، خاصة مع اقتراب ذروة الاستهلاك الصيفي، وهو ما دفع الحكومة إلى تفعيل خطط طوارئ لتأمين الوقود اللازم وضمان استمرار التشغيل دون انقطاعات كبيرة.