خاض التيار اليميني في الولايات المتحدة معركة داخلية حادة طوال الأشهر التي سبقت الضربات الإسرائيلية لإيران، سعيًا للتأثير على توجهات الرئيس دونالد ترامب في السياسة الخارجية. كشف هذا الصراع تصدعًا كبيرًا في المواقف التقليدية التي حكمت استراتيجية أمريكا العالمية منذ 80 عامًا.

ظلّ جناح "الصقور" يهيمن على السياسة الخارجية للحزب الجمهوري لعقود، مدفوعًا بقناعة أن أمريكا في صراع دائم مع قوى معادية، ويجب استخدام القوة العسكرية لحماية مصالحها. لكن تيار "أمريكا أولًا" صعد في السنوات الأخيرة بطرح أكثر انعزالية، يشكّك في الحروب المستمرة، ويناهض التورط الخارجي.

قاد هذا التيار الثلاثي: تاكر كارلسون ودونالد ترامب الابن ونائب الرئيس جي دي فانس، وهم شخصيات مؤثرة تجمعهم صداقة شخصية ورؤية سياسية متقاربة. دعوا للانسحاب من الحروب الدائمة، ورفضوا التدخل في أوكرانيا، محذرين من التصعيد مع إيران.

في أبريل، رفض ترامب خطة إسرائيلية لضرب إيران، مفضلًا التفاوض بشأن البرنامج النووي. أثار هذا الموقف قلق الصقور. لكن مع فشل المحادثات وتصاعد إصرار إسرائيل على الهجوم، رفع ترامب الغطاء عنها. بدأت العملية العسكرية فقتلت قادة عسكريين إيرانيين، واستهدفت مواقع نووية، وبدأ ترامب يتحدث عن دوره فيها.

حذر كارلسون مرارًا من التورط، معتبرًا أن الحرب مع إيران ستكون كارثية ولن تبقى محصورة داخلها. وأكد أن التدخل الأمريكي سيكون انتحارًا، لكنه بات في موقع المعارضة بينما ترامب يفتخر بقراره.

رغم معارضة الديمقراطيين لهذا التيار داخليًا، فإن "أمريكا أولًا" أصبح أبرز جناح جمهوري يعارض الحرب مع إيران. ووسّع هذا التيار معارضته للتدخل العسكري ليشمل الصين وتايوان، داعيًا لإعادة النظر في دور أمريكا العالمي.

على الجانب الآخر، رأى الصقور أن تقليص الوجود العسكري يفتح الباب للفوضى، بينما يرى تيار أمريكا أولًا أن محاولة أمريكا الهيمنة العالمية هي ما يجرّ الكوارث.
 

انقلاب داخلي ضد نهج الصقور

على مدى عقود، فرض الصقور هيمنتهم بعد الحرب العالمية الثانية ثم خلال الحرب الباردة. عاد الانعزاليون للظهور في التسعينيات، ثم تراجعوا بعد هجمات 11 سبتمبر. لكن ترامب أعاد لهم الحياة عندما انتقد غزو العراق ووصفه بـ"الكارثة". دعوته لسحب القوات من أفغانستان وسوريا مثّلت خروجًا عن المألوف.

رغم ذلك، ظلّت ولايته الأولى خاضعة لتأثير الصقور في ملفات كإيران، حيث فرض عقوبات قاسية واغتال قاسم سليماني، واقترب من الحرب. كما أطلق حربًا تجارية ضد الصين، وعمّق العلاقة مع تايوان.

أصبح تاكر كارلسون لاحقًا المنصة اليومية لرفض الحروب الخارجية، واكتسب تأثيرًا متزايدًا في صفوف القاعدة الجمهورية، وبخاصة مع صداقته مع دونالد ترامب الابن.

ساهم هذا الثلاثي في تحويل موقف الحزب تجاه أوكرانيا، مع تصاعد الانتقادات للتدخل والدعم المالي، إلى أن أصبح أكثر من 47% من الجمهوريين في 2024 يرون أن أمريكا تبالغ في دعم أوكرانيا.

وفي لحظة حاسمة، اختار ترامب فانس نائبًا له. لاحقًا، دعم فانس مرشحين يعارضون التدخل في الخارج، ودافع علنًا عن رفضهم للمساعدات العسكرية.
 

الانقسام حول إسرائيل وإيران

عقب فوز ترامب بالرئاسة مجددًا، بدا أن الصقور سيعودون مع أسماء مثل ماركو روبيو ومايك بومبيو. لكن دونالد الابن وتاكر تدخلا لمنع ذلك. أقال ترامب بومبيو، وعين شخصيات غير تقليدية مثل تولسي جابارد وبيت هيغسيث.

أثارت تعيينات أخرى مثل ستيف ويتكوف قلق الصقور، خاصة مع إشرافه على المفاوضات مع إيران، ورفضه نهج المواجهة. اشتبك المعسكران داخل الإدارة، وكان الخلاف الأكبر حول دعم ضربة إسرائيلية لإيران. فانس دعا للتريث، في حين دفع الصقور نحو الحرب.

رغم رفض ترامب للهجوم في البداية، تحرّك لاحقًا في الاتجاه المعاكس بعد ضغط من الإعلام المحافظ، وأقر ضمنيًا بقبول الهجوم الإسرائيلي.
 

الصين: المواجهة المقبلة؟

بينما يتصاعد التوتر مع إيران، يبقى الملف الأهم هو العلاقة مع الصين. يخشى كثيرون نشوب صراع على تايوان. يدعو البعض، مثل إلبريدج كولبي، إلى بناء تحالف إقليمي لكبح الصين ومنع هيمنتها على آسيا. بينما يحذّر تيار "أمريكا أولًا" من الانجرار إلى حرب مكلفة، ويدعو لإعادة التصنيع داخليًا بدلًا من المغامرات العسكرية.

يؤكد كارلسون وفانس رفضهما حربًا مع الصين، ويسخران من منطق المواجهة من أجل أشباه الموصلات أو التجارة.

رغم عدائه التجاري للصين، يُبقي ترامب الباب مفتوحًا لصفقة كبرى. علاقته مع بكين شهدت مدًا وجزرًا، ففرض رسومًا جمركية ثم حاول التهدئة، ثم صعّد مجددًا. يلمّح البعض إلى أن ترامب يفضل نظام "مناطق النفوذ"، حيث تُهيمن أمريكا على القارتين الأمريكيتين وتترك آسيا للصين.
 

ترامب بين الصفقة والحرب

يتبنى ترامب بعض مواقف الانعزاليين، لكنه لا يسعى للانسحاب الكامل. يحب الصفقات، ويكره أن يظهر بمظهر الضعيف. لذا، يميل أحيانًا للمواجهة إذا شعر أن خصومه لا يأخذونه بجدية.

نجح تيار "أمريكا أولًا" في زعزعة هيمنة الصقور، لكن دعم ترامب للهجوم الإسرائيلي شكّل انتكاسة لهم. يبقى السؤال: هل يعود إلى مسار الدبلوماسية؟ أم يُغريه مجددًا طريق القوة؟

https://www.vox.com/politics/416742/trump-iran-israel-war-america-first-tucker-carlson-china