وافق مجلس النواب، على قرار رئاسي يمنح شركة "أبوظبي التنموية القابضة" الإماراتية صفة "مؤسسة حكومية"، ويُعفيها رسميًا من ضرائب الأرباح داخل مصر، استنادًا إلى اتفاقية ثنائية لتجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب من الضرائب. وبالمثل، حصل "صندوق مصر السيادي" على الصفة ذاتها، لتُشكّل الخطوة توسيعًا لنطاق النفوذ الاستثماري الإماراتي في الاقتصاد المصري تحت مظلة قانونية جديدة تمنح امتيازات غير مسبوقة.
القرار الذي يحمل رقم 211 لسنة 2025، جاء مُكمّلًا لاتفاقية كانت وُقّعت في نوفمبر 2019 بأبوظبي، وصدّق عليها عبد الفتاح السيسي في 2020. ويقضي البروتوكول الملحق بالاتفاقية بإعفاء أرباح "أبوظبي القابضة" وصندوق مصر السيادي من الضرائب المفروضة على الدخل الناتج عن توزيعات الأرباح، والفوائد، والأرباح الرأسمالية، لتُعامل المؤسستان معاملة "الحكومات" وأجهزتها الرسمية.
وبحسب النص المُعتمد، فإن مصطلح "الحكومة" لم يعد محصورًا بالسلطات الرسمية، بل توسّع ليشمل الكيانات المملوكة مباشرة أو بشكل غير مباشر بنسبة لا تقل عن 50% من رأس المال لصالح صندوق مصر السيادي أو شركة أبوظبي القابضة، ما يعني أن شركات تابعة قد تستفيد أيضًا من نفس الامتيازات، مما يفتح الباب أمام شراكات واستحواذات جديدة تحت الحماية الضريبية الكاملة.
بين الامتيازات والسيادة الاقتصادية
يقول خبراء اقتصاد إن الاتفاقية قد تُعزز الاستثمارات الخليجية في مصر، لكنها تُثير أيضًا تساؤلات واسعة بشأن السيادة الضريبية والعدالة الاقتصادية، في وقتٍ تُعاني فيه الدولة من أزمة ديون خانقة، بلغت معها أعباء خدمة الدين الخارجي أكثر من 21 مليار دولار في ستة أشهر فقط.
وفي هذا السياق، أشار تقرير لمجلس النواب إلى أن البروتوكول يُشجع على "الاستثمار ويوفر فرص عمل"، لكن لم تُحدَّد شروط رقابية أو مراجعات دورية للاستفادة من الامتيازات الضريبية، ما اعتبره مراقبون "فراغًا قانونيًا" قد يُستغل في نقل الأرباح والإفلات من الرقابة المالية.
صفقات بمليارات.. وإعفاءات غير محدودة
شركة "أبوظبي التنموية القابضة" هي أحد أذرع الثروة السيادية الرئيسية في الإمارة، وتُعد من أبرز المستثمرين في الأصول الحيوية المصرية خلال السنوات الأخيرة. وكانت الشركة قد استحوذت على حصص مؤثرة في ثلاث شركات بترول مصرية، ضمن صفقة كبرى بلغت قيمتها نحو 35 مليار دولار، شملت أيضًا ضخ سيولة نقدية في الاقتصاد المصري، وسط أزمة سيولة حادّة.
وفي فبراير 2024، أعلنت القاهرة عن مشروع "رأس الحكمة" العملاق، والذي تشرف عليه أبوظبي القابضة، باستثمارات تصل إلى 24 مليار دولار نقدًا. ويتضمن المشروع تطوير ساحل يمتد على 80 مليون متر مربع غرب الإسكندرية، ويُتوقّع أن يضم مراسٍ بحرية، منطقة حرة، استثمارات سياحية وسكنية، بالإضافة إلى بنية تحتية تخدم نحو مليوني شخص.
أصوات معارضة غائبة.. ونفوذ يتمدّد
لم يُبدِ البرلمان أي اعتراض يُذكر على الاتفاق، في وقتٍ تمر فيه الدولة بمرحلة خصخصة غير مسبوقة لأصولها العامة، وتطرح فيها الحكومة شركات استراتيجية للبيع لصناديق سيادية خليجية. ويرى محللون أن تصنيف شركة أجنبية كـ"مؤسسة حكومية" يُشكّل سابقة قانونية تكرّس الامتيازات لصالح مستثمر خارجي على حساب المستثمرين المحليين.
الخبير المالي هشام نصر، قال في تصريحات إن "مثل هذه الخطوات تُرسّخ بنية مزدوجة للاقتصاد المصري، يصبح فيها للمستثمر الخليجي وضع قانوني مميز لا يتوفر لنظرائه المحليين"، مضيفًا أن الإعفاءات الضريبية الشاملة تُفقد الدولة مصادر دخل مهمة في توقيت اقتصادي حرج.