في ظل تصاعد التوترات في منطقة الخليج العربي خلال الأشهر الأخيرة، عاد مضيق هرمز إلى واجهة الأحداث الدولية، بعد أن جددت إيران تهديدها بإغلاقه في حال تعرضها لهجوم أو زيادة الضغوط الغربية عليها، ويعد هذا المضيق البحري واحدًا من أهم الممرات المائية في العالم، إذ تمر عبره نحو 20% من تجارة النفط العالمية، ما يجعل أي اضطراب فيه مصدر قلق استراتيجي واقتصادي لدول العالم، خاصة القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين.
يُعد مضيق هرمز من أهم الممرات المائية الاستراتيجية في العالم، لما له من أهمية جيوسياسية واقتصادية كبيرة، خاصة في نقل النفط من دول الخليج العربي إلى الأسواق العالمية، في السنوات الأخيرة، تصاعدت التوترات حول هذا المضيق، مع تهديدات إيرانية متكررة بإغلاقه، ما يثير مخاوف دولية من تأثير ذلك على أسواق الطاقة العالمية واستقرار المنطقة.
جغرافية المضيق وحدوده
يقع مضيق هرمز بين سواحل إيران شمالًا وسلطنة عمان والإمارات جنوبًا، ويربط الخليج العربي ببحر العرب ومنه إلى المحيط الهندي، يبلغ عرضه نحو 50 كيلومترًا في أضيق نقطة، لكن الممرات الملاحية الآمنة لا تتجاوز 10 كيلومترات ذهابًا وإيابًا بسبب الشعاب المرجانية والمياه الضحلة.
ويُعد المضيق الحد الفاصل بين شبه الجزيرة العربية وآسيا الوسطى، ويشرف عليه من الجانب الإيراني إقليم هرمزغان، بينما تسيطر سلطنة عمان على الساحل الجنوبي من خلال محافظة مسندم.
أهمية مضيق هرمز الاقتصادية والعسكرية
تنبع أهمية المضيق من كونه شريانًا حيويًا لنقل النفط والغاز، حيث تمر من خلاله يوميًا ما بين 17 إلى 20 مليون برميل نفط، أي نحو ثلث النفط المنقول بحرًا على مستوى العالم، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، كما تمر عبره كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال، لا سيما من قطر، أكبر مصدر للغاز المسال في العالم.
وتُقدّر قيمة الشحنات التجارية التي تمر عبره سنويًا بأكثر من تريليون دولار، ما يجعله نقطة ارتكاز في الأمن الطاقوي العالمي، لذا، فإن أي تهديد بإغلاق المضيق يثير اضطرابات حادة في أسواق الطاقة ويدفع الأسعار العالمية للارتفاع، كما حصل عقب التوترات الإيرانية الأمريكية في 2019، حين قفز سعر برميل النفط بنسبة 4.5% بعد إسقاط إيران لطائرة استطلاع أمريكية قرب المضيق.
تاريخ المضيق.. من البرتغاليين إلى الحرس الثوري
منذ القرن السادس عشر، شكّل المضيق هدفًا استراتيجيًا للقوى الاستعمارية، في عام 1507، احتله البرتغاليون بقيادة أفونسو دي ألبوكيرك، وأنشأوا قلعة على جزيرة هرمز، وظل النفوذ البرتغالي قائمًا حتى أخرجهم الصفويون بمساعدة البريطانيين عام 1622.
وفي العصر الحديث، أصبحت السيطرة على المضيق جزءًا من استراتيجية إيران الإقليمية، خصوصًا بعد الثورة الإسلامية عام 1979، حيث أسس الحرس الثوري الإيراني قوات بحرية خاصة في جزيرة قشم، وأصبح يسيطر فعليًا على الملاحة في الجزء الشمالي من المضيق، وتوالت الحوادث البحرية مثل "حرب الناقلات" خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، ثم احتجاز ناقلات نفط غربية في الأعوام الأخيرة.
من يتحكم فعليًا في المضيق؟
من الناحية القانونية، يُعد مضيق هرمز مضيقًا دوليًا، يخضع لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التي تنص على حرية المرور البحري، لكن الواقع العسكري مختلف؛ فبينما تسيطر إيران على الضفة الشمالية، تنتشر قواعد بحرية أمريكية في الجانب الجنوبي، وتدير الولايات المتحدة عمليات بحرية مشتركة مع دول الخليج ضمن "الأسطول الخامس" المتمركز في البحرين.
وقد صرح الأدميرال الأمريكي جون أكويلينو في أبريل 2024 بأن "الولايات المتحدة تضمن بقاء المضيق مفتوحًا أمام الملاحة الدولية، ولن تسمح بأي تهديدات إيرانية بإغلاقه".
في المقابل، قال القائد السابق للحرس الثوري محسن رضائي إن "أي اعتداء على إيران سيقابل بإغلاق فوري للمضيق"، في إشارة إلى استخدامه كورقة ردع استراتيجية.
لماذا تهدد إيران بإغلاق المضيق؟
استخدمت إيران مرارًا التهديد بإغلاق المضيق كورقة ضغط في وجه العقوبات الغربية أو أي تحركات عسكرية معادية، ويعود السبب في ذلك إلى رغبتها في إثبات قدرتها على التأثير في الأسواق العالمية، وامتلاكها لوسيلة ردع فعالة رغم الفارق الكبير في القوة العسكرية مع الولايات المتحدة.
وفي يناير 2025، صرح حسين شريعت مداري، مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، بأن "هرمز بيدنا، ولن نسمح للأعداء باستخدامه ضد مصالحنا"، ويعتقد محللون أن هذا التهديد يندرج ضمن ما يُعرف بـ"عقيدة الرد غير المتناظر"، والتي تقوم على استخدام أدوات غير تقليدية لردع خصوم أقوى.
آراء الباحثين وتقديرات المخاطر
يشير تقرير صادر عن "معهد ستراتفور للدراسات الأمنية" إلى أن إغلاق المضيق من قبل إيران، رغم صعوبته الدائمة، يمكن أن يتم بشكل جزئي عبر الألغام البحرية أو الهجمات الصاروخية.
ويُقدّر الباحث مايكل نايتس من "معهد واشنطن" أن إغلاق المضيق ليوم واحد قد يؤدي إلى خسائر تتجاوز 10 مليارات دولار في السوق العالمية للطاقة.
لكن خبراء آخرين يرون أن طهران تدرك أن تنفيذ التهديد سيستجلب ردًا عسكريًا مدمرًا عليها، ولهذا تبقيه في إطار التهديد دون التنفيذ.
الباحثة إلين والد، رئيسة شركة ترانسفيرسال كونسلتينغ، ترى أن إغلاق المضيق "لن يحقق مكاسب لإيران بل قد يؤدي إلى ردود فعل عكسية خطيرة، خصوصاً من الصين".
كما أن الصين، المستورد الأكبر لنفط الخليج، حذّرت عبر قنوات دبلوماسية من "أي تصعيد قد يهدد استقرار المضيق"، بحسب تسريبات نشرتها وكالة رويترز في مارس الماضي.
تداعيات محتملة لأي تصعيد
أي محاولة فعلية لإغلاق المضيق، حتى بشكل مؤقت، ستؤدي إلى تداعيات جسيمة على الاقتصاد العالمي، منها:
- ارتفاع أسعار النفط والغاز بشكل فوري.
- اضطرابات في سلاسل الإمداد العالمي.
- تصعيد عسكري قد يتطور إلى حرب إقليمية واسعة.
- تدخل مباشر من الولايات المتحدة وربما الناتو.
- خسائر مباشرة لصادرات دول الخليج، خاصة السعودية وقطر والإمارات.
يبقى مضيق هرمز أحد أخطر النقاط الساخنة في العالم، إذ يختزن في ضيقه الجغرافي وتاريخه الطويل مزيجًا من المصالح المتشابكة والقوى المتصارعة، ومع أن إيران لا تزال تستخدمه كورقة ضغط سياسية، فإن أي خطأ في الحسابات قد يحوّل هذه الورقة إلى شرارة نزاع إقليمي لا يمكن السيطرة عليه.