شهدت جامعة أكسفورد البريطانية –أحد أعرق المؤسسات الأكاديمية في العالم– تصاعدًا ملحوظًا في الاحتجاجات الطلابية المطالبة بإسقاط العقوبات التأديبية التي فرضتها الجامعة على مجموعة من طلابها المتضامنين مع الشعب الفلسطيني، في أعقاب مشاركتهم في اعتصام طلابي احتجاجي داخل حرم الجامعة في مايو 2024.

ونظّم طلاب وأعضاء هيئة التدريس وخريجون، وقفة احتجاجية خلال الأيام الماضية، دعوا فيها إدارة الجامعة إلى التراجع عن الملاحقات التأديبية ضد 13 طالبًا، كانوا ضمن المشاركين في اعتصام سلمي نُفذ داخل مكتب نائب رئيس الجامعة، في سياق الاعتراض على استثمارات الجامعة في شركات ترتبط بأنشطة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.

 

احتجاج سلمي.. واعتقال عنيف
بدأت الأزمة في 23 مايو 2024، حين اقتحم عشرات الطلاب من "حركة أكسفورد من أجل فلسطين" المبنى الإداري للجامعة بهدف تنفيذ اعتصام سلمي يدفع الإدارة إلى فتح حوار حول سياساتها الاستثمارية. لكن الشرطة البريطانية تدخلت بعد نحو ساعتين، وحاصرت المعتصمين، قبل أن تقوم بإخلاء المبنى واعتقال 16 طالبًا وطالبة، بحسب ما أعلنت الجامعة آنذاك.

ورغم إسقاط الشرطة تحقيقاتها لاحقًا وعدم توجيه أي تهم جنائية للمشاركين، استمرت إدارة الجامعة في اتخاذ إجراءات تأديبية داخلية، وبدأت في ملاحقة 13 من الطلاب بتهم قالت الحركة الطلابية إنها "كاذبة ومبنية على روايات مفبركة"، من بينها مزاعم باستخدام العنف أو التهديد.

 

انتقادات للعنصرية والتواطؤ
وقالت "حركة أكسفورد من أجل فلسطين"، في بيان صدر هذا الأسبوع، إن العملية التأديبية التي يخضع لها الطلاب "مطولة وغامضة"، مضيفة أنها استمرت لأكثر من عشرة أشهر دون شفافية أو تبرير واضح، رغم الأدلة المصورة التي تنفي وقوع أي عنف من طرف الطلاب المعتصمين.

وأشارت الحركة إلى ما وصفته بـ"مستويات غير مسبوقة من العنف الشرطي" خلال تفكيك الاعتصام، وقالت إن بعض موظفي الجامعة استخدموا "لغة عنصرية ومعادية للفلسطينيين"، من بينها توصيف الكوفية الفلسطينية بأنها "رمز إرهاب"، وهو ما اعتبرته الحركة "دليلًا على عداء مؤسسي تجاه القضية الفلسطينية".

 

تواطؤ أكاديمي؟
يثير هذا الملف تساؤلات أكبر حول موقف المؤسسات الأكاديمية الغربية من الحراك الطلابي الداعم للقضية الفلسطينية، خاصة في ظل حملة التضامن العالمية المتصاعدة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر 2023. ويقول متضامنون إن الجامعات البريطانية، وعلى رأسها أكسفورد، باتت تواجه اتهامات بـ"التواطؤ" مع سياسات القمع، عبر استخدام العقوبات الإدارية لإسكات أصوات الطلاب المؤيدين لفلسطين.

وفي حين تتذرع إدارة الجامعة بـ"ضرورة الحفاظ على النظام داخل الحرم الجامعي"، يرى المحتجون أن الموقف من القضية الفلسطينية بات "معيارًا أخلاقيًا لا يمكن التنازل عنه"، مطالبين بمراجعة سياسات الاستثمار، والكف عن ملاحقة الأصوات المعارضة.

 

حراك ممتد في الجامعات البريطانية
وتأتي هذه التطورات في سياق حراك طلابي واسع اجتاح جامعات بريطانيا، بما في ذلك "كامبريدج"، و"لندن سكول أوف إيكونوميكس"، و"كينغز كوليدج"، حيث شهدت عدة جامعات خيام اعتصام ومظاهرات متكررة تطالب بإنهاء التواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي وقطع العلاقات الأكاديمية والاقتصادية مع الكيانات الداعمة له.

ويرى مراقبون أن استجابة الجامعات البريطانية لمطالب الطلاب لا تزال محدودة، وتخضع لحسابات سياسية واقتصادية، إلا أن الضغط الشعبي والإعلامي المتزايد قد يفتح الباب لتغييرات قادمة في هذه المؤسسات.