في مشهد جديد يعيد إلى الواجهة تساؤلات مؤلمة حول سلوك الأجهزة الأمنية في حكومة السيسي، قُتل مواطن برصاص ضابط شرطة في أحد شوارع منطقة الهرم بمحافظة الجيزة، إثر مشادة كلامية نشبت بينهما بسبب خلاف على أولوية المرور.

الحادث الذي هز الرأي العام، أعاد طرح المخاوف المزمنة بشأن إفلات عناصر الشرطة من العقاب، خصوصًا في ظل تكرار وقائع استخدام القوة القاتلة دون مبرر.

وتعود تفاصيل الواقعة إلى وقوع مشاجرة لفظية بين الضحية، الذي كان يقود مركبته في أحد الشوارع الحيوية بمنطقة الهرم، وبين ضابط شرطة لم تُكشف هويته رسميًا بعد، تصادف مروره بالمكان في ذات اللحظة. وبحسب روايات شهود العيان، تصاعدت حدة التوتر سريعًا، إذ أصر كل طرف على أحقية المرور، قبل أن يفاجأ السائق بقيام الضابط بإشهار سلاحه الميري وإطلاق النار عليه، ما أدى إلى مقتله على الفور.

وأشارت مصادر أمنية إلى أن الضابط المتهم بادر عقب الحادث إلى تسليم نفسه طواعية إلى السلطات المختصة، فيما فرضت الأجهزة الأمنية طوقًا حول مكان الواقعة. ووفق ما أُعلن، تم نقل جثمان الضحية إلى المشرحة، وبدأت النيابة العامة التحقيقات الأولية، حيث أمرت بالتحفظ على الضابط، واستدعاء شهود العيان، وفحص كاميرات المراقبة في محيط الحادث، في محاولة لرسم تسلسل دقيق للأحداث التي أودت بحياة السائق.

ورغم التحرك السريع من الجهات المعنية، لم يفلح ذلك في احتواء موجة الغضب العارم التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي عقب الحادث. فقد اعتبر كثيرون أن ما جرى هو حلقة مكررة في مسلسل طويل من الانتهاكات الأمنية التي كثيرًا ما تمر دون محاسبة حقيقية، ما يعزز مناخ الإفلات من العقاب، ويفاقم حالة انعدام الثقة بين المواطن وجهاز الشرطة.

وتداول ناشطون وصحافيون دعوات للمحاسبة الشفافة، مطالبين بضرورة تقديم الضابط المتورط لمحاكمة علنية، لاستخلاص العبرة وضمان ألا تمر الحادثة كما مرّ غيرها. كما طرح آخرون تساؤلات حقيقية حول مدى كفاءة وتأهيل رجال الشرطة في التعامل مع مواقف الضغط والانفعال، دون اللجوء للسلاح كخيار أول.

وفي ظل غياب أي بيان رسمي من وزارة الداخلية في حكومة السيسي حتى ساعة إعداد هذا التقرير، تسود حالة من الترقب الحذر في الأوساط الشعبية والإعلامية، بانتظار نتائج التحقيقات وتوجهات القضاء. وهو ترقب لا يخلو من القلق، إذ سبق وأن انتهت حالات مشابهة بأحكام مخففة أو بحفظ القضية، رغم توافر أدلة دامغة في بعضها.

ويرى مراقبون أن هذه الحادثة ليست منعزلة عن منظومة أعمق من الانتهاكات الأمنية التي تضرب بجذورها في عمق المؤسسات، لا سيما في ظل ضعف الرقابة، وغياب الشفافية، وافتقار الجهاز الأمني لمنظومة تدريب واضحة على احتواء المواقف المدنية المتوترة دون اللجوء للعنف.

وتعيد الواقعة إلى الأذهان سلسلة من الجرائم المشابهة، راح ضحيتها مواطنون برصاص رجال الشرطة في ظروف مثيرة للقلق، تعكس خللًا بنيويًا في فلسفة التعامل الأمني مع المواطن. ففي الوقت الذي يُفترض فيه أن رجل الشرطة هو المسؤول الأول عن حماية الأرواح، يتحول في بعض الحالات إلى مصدر تهديد مباشر لها، دون أن يجد من يوقفه أو يراجعه.

ويحذر حقوقيون من أن تراكم هذه الحوادث دون محاسبة جادة يقوّض أسس العدالة، ويعزز شعورًا متناميًا في الشارع المصري بأن القانون لا يُطبّق على الجميع، وأن حمل السلاح في يد رجل الأمن قد يعني امتيازًا فوق المساءلة، حتى حين يُسفك الدم بغير وجه حق.

ومع غياب الشفافية حتى الآن، تبقى الأنظار معلقة على مصير هذه القضية، في اختبار جديد لعدالة مهددة بفقدان ما تبقى من مصداقيتها.