تداول نشطاء وإعلاميون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أخبار بشأن احتمال ترك الدكتور مصطفى مدبولي رئاسة مجلس الوزراء لتولي منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية خلفًا لأحمد أبو الغيط.

يأتي ذلك في ظل وجود أنباء متداولة عن رغبة بعض الدول العربية، وعلى رأسها السعودية والجزائر، في ترشيح أسماء بديلة للمنصب الذي تحتفظ به مصر تاريخيًا منذ تأسيس الجامعة، والتي تقل حظوظها في ترشيح مصري آخر بعد تهميش دول الخليج للسيسي في الأيام الماضية.

وتنتهي ولاية الأمين العام الحالي، أحمد أبو الغيط في سبتمبر المقبل بعد قضائه مدتين بإجمالي عشر سنوات في المنصب، وسيكون انتخاب خليفته خلال اجتماع سيحدده وزراء الخارجية العرب قبل نهاية هذا العام، على أن يُعتمد القرار خلال أقرب قمة عربية.

 

مهمة مصرية صعبة

   وقال مصدر دبلوماسي، إن “مدبولي يتمتع بثقة كبيرة لدى السيسي، ومؤسسات الدولة المصرية”، لافتا إلى أن “الدوائر المصرية المعنية باختيار مرشح القاهرة لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية ناقشت أيضا ضمن الأسماء المطروحة، كلا من وزير الخارجية الحالي بدر عبد العاطي، والسابق سامح شكري”.

ووصف المصدر مهمة القاهرة هذه المرة بـ”الصعبة”، في ظل رغبة من جانب بعض الدول الأعضاء “في تدويل المنصب وطرح مرشحين”، لافتا إلى أن “الجزائر سبق أن أبدت رغبة طرح مرشح، فيما أشارت أحاديث أروقة الجامعة العربية إلى رغبة في أن يكون المنصب خلال الولاية المقبلة سعوديا”.

وأوضح المصدر نفسه أنه “كان هناك قرار مصري بالدفع بشكري لمنصب الأمين العام للجامعة خلفا لأبو الغيط، إلا أن اعتراضات على شخصه، جميعها كانت خليجية، أدت إلى تراجع أسهمه، قبل التفكير في عبد العاطي”.

وكشف عن أنه خلال المشاورات “طرحت إحدى الجهات المصرية السيادية اسم مدبولي، باعتباره أحد الوجوه التي لم يكن حوله جدال ولم يدخل في أي معارك سواء على المستوى المحلي أو العربي، خصوصاً في ظل قناعة لدى السيسي بتصعيد وزير النقل والصناعة كامل الوزير لموقع رئيس الوزراء”.

وأوضح الدبلوماسي المصري أن استمرار مدبولي على رأس الحكومة المصرية “مسألة وقت، إذ يجري تجهيز كامل الوزير لخلافته، ما دفع البعض لترشيح مدبولي إلى المنصب”.

 

صراع سعودي

   رغم أن العُرف جرى على أن يكون الأمين العام من دولة المقر مصر، فإن هذا الأمر ليس ملزمًا قانونًا، ويخضع للتوافق السياسي بين الدول الأعضاء، وهو ما يفتح الباب أمام تحركات بعض الدول لتدويل المنصب وتقديم مرشحين من خارج القاهرة.

من جهته، دعا الكاتب السعودي عبيد العايد، في منشور له على منصة "إكس"، إلى إنهاء ما وصفه بـ"احتكار الخارجية المصرية" للأمانة العامة للجامعة.

وقال العايد: "حان الوقت فعلًا لأن يقود الجامعة أعلام العرب ودهاة السياسة، وليس سواهم"، مشيدًا بوزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، وواصفًا إياه بـ"المتحدث اللبق والقوي" الذي "يستحق دعم السعوديين وكل العرب لرئاسة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية".

في الوقت نفسه، رشح بعض الكتاب السعوديين وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ليكون الأمين العام الجديد للجامعة العربية، إلا أن الدكتور محمد صالح الحربي، الباحث السعودي في الدراسات الاستراتيجية والعلوم السياسية يقول إنه لا يوجد تصريح رسمي أو حكومي في هذا الشأن.

ومع ذلك، يؤكد المحلل السياسي السعودي على أنه "لا يوجد نص دستوري أو قانوني داخل الجامعة بوجوب تعيين الأمين العام من جنسية معينة"، لكن ما هو مطروح خلال أكثر من قمة هو "إعادة هيكلة جامعة الدول العربية".

وأشار الحربي إلى "دعوات متزايدة لإصلاح جامعة الدول العربية، خاصة فيما يتعلق بآلية اختيار الأمين العام ودور المنظمة في المشهد الإقليمي والدولي"، موضحاً أن تلك الدعوات تُرجِمت في قمة جدة 2023، مع تشكيل لجنة عربية برئاسة السعودية لمناقشة إصلاحات شاملة للجامعة.

وأضاف منتقداً دور التكتل العربي بأن الجامعة لا تتمتع بآلية أو مرونة لمواكبة المتغيرات، و"ليس لديها مشاريع خلاقة تؤثر أو تنعكس إيجاباً على الشعوب العربية"، مشيراً إلى عدم إمكان مقارنتها بالاتحاد الأوروبي أو بمجلس التعاون الخليجي في تحركهما ككتلة اقتصادية وسياسية وعسكرية وأمنية.

 

تاريخ أمناء الجامعة العربية

   على مدى ثمانين عاماً هي عمر الجامعة العربية، والأمين العام لها كان مصري الجنسية، باستثناءِ الشاذلي القُليبي، الذي كان تونسياً، وذلك خلال فترة انتقال مقر الجامعة إلى تونس على أثر الخلاف مع مصر بعد توقيعها اتفاقية كامب ديفيد في أواخر السبعينيات.

فقد ترأس عبد الرحمن عزام جامعة الدول العربية لمدة سبع سنوات، إلى أن استقال عام 1952، وعُيّن محمد عبد الخالق حسونة، حفيد أحد شيوخ الأزهر، خلفاً له لنحو 20 عاماً حتى عام 1971، ليكون بذلك الأطول مدة في شغل هذا المنصب، في خطوة وصفها نجله السفير حسين بـ"الاستثنائية التوافقية".

أما ثالث أمناء جامعة الدول العربية، فهو محمود رياض، مدير المخابرات الحربية المصرية في غزة سابقاً، وشقيق رئيس أركان الجيش المصري الراحل الفريق أول عبد المنعم رياض. وقد تولى رياض منصبه في يونيو 1972وظل لنحو ثماني سنوات، خلال فترة حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات.

وبعد خمسة أيام من التصديق على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، أصدر مجلس الجامعة قراراً بتعليق عضوية مصر في جامعة الدول ونقل المقر إلى تونس، ليصبح الشاذلي القليبي، وزير الثقافة التونسي، أول أمين عام غير مصري.

وقد انتهت المقاطعة الدبلوماسية لمصر في قمة عمّان عام 1987 في عهد الرئيس محمد حسني مبارك، لتستعيد مصر عضويتها في الجامعة، في حين استمرت الأمانة العامة في تونس لحين استقالة القُليبي عام 1990 اعتراضاً على الحرب في العراق أو ما عُرف بعملية درع الصحراء.

ومنذ ذلك الحين، عاد منصب الأمين العام من جديد إلى القاهرة، حيث تقلده أحمد عصمت عبد المجيد، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة من 1991 إلى 2001، ثم شغله عمرو موسى، لعشر سنوات من يونيو 2001 حتى يوليو 2011.

وكان الدكتور نبيل العربي أقصر الأمناء بقاء في هذا المنصب لمدة خمس سنوات حتى 2016 مع عدم رغبته في التجديد، ليخلفه منذ ذلك الحين وحتى الآن أحمد أبو الغيط، الذي تنتهي ولايته في يونيو 2026.

 

قانون جامعة الدول العربية

   مدة ولاية الأمين العام لجامعة الدول العربية هي 5 سنوات، يمكن تجديدها لمرة واحدة. وتنص المادة 12 من ميثاق الجامعة الدول العربية على أن “يعين الأمين العام بقرار من مجلس الجامعة بموافقة ثلثي الأعضاء” الـ22، وجرى العرف أن يتم اختيار الأمين العام من بين مواطني دولة المقر، وظل هذا العرف ساريا حتى عندما تقرر تعليق عضوية مصر ونقل مقر جامعة الدول العربية مؤقتا من القاهرة إلى تونس، عام 1979، عقب توقيع الرئيس المصري الأسبق أنور السادات معاهدة السلام مع إسرائيل بشكل منفرد، اختير الشاذلي القليبي وزير الثقافة والإعلام التونسي وقتها أمينا عاما مؤقتا ممثلا لدولة المقر المؤقت، قبل عودة الأمور إلى سابق عهدها بعودة المقر لمصر مجددا عام 1990.