حادثة مأساوية هزت الرأي العام المصري في صباح يوم الاثنين، الموافق 26 مايو 2025، حيث أقدم أحمد الدجوي، حفيد رائدة التعليم الخاص في مصر نوال الدجوي، على إطلاق النار على نفسه داخل مقر إقامته في أحد المنتجعات السكنية بمدينة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة، مما أدى إلى وفاته.
الحادث، الذي وقع في ظروف غامضة، سرعان ما أثار تفاعلات واسعة، بل لأن الشاب، البالغ من العمر 21 عامًا، ينتمي لعائلة ارتبط اسمها طويلاً بالسلطة والمال والتعليم الخاص والنفوذ في أروقة الحكم منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وصولًا إلى عبد الفتاح السيسي.
بحسب مصادر مقربة من العائلة، كان الشاب يعاني من "ضغوط نفسية شديدة" في الشهور الأخيرة، إلا أن طبيعة هذه الضغوط لم يُفصح عنها رسميًا، وأشارت إلى خلافات حادة داخل العائلة، ووجود مشاعر إحباط ويأس متراكمة.
وأعلنت وزارة الداخلية المصرية في بيان رسمي أن الحفيد استخدم طبنجة مرخصة خاصة به، وأنه كان يعاني من اضطرابات نفسية وتلقى علاجاً في الخارج قبل عودته إلى البلاد مساء السبت.
لم توجه النيابة العامة أي اتهامات رسمية حتى اللحظة، لكن وفاة أحمد الدجوي أضافت غموضاً كبيراً إلى القضية، حيث اعتبرها البعض امتداداً للأزمة العائلية المتعلقة بالميراث والثروة.
رغم ذلك، شككت أسرته في رواية الانتحار وأبدت رفضها لتلقي العزاء، معتبرة أن هناك شبهة جنائية وراء الوفاة، خاصة مع وجود مؤشرات على ملاحقة الحفيد من قبل جهات مجهولة قبل وفاته.
من هي نوال الدجوي.. وما صلتها بنظام الانقلاب؟!
نوال الدجوي هي رائدة التعليم الخاص في مصر، ومؤسسة جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والفنون (MSA)، التي تعتبر من أبرز الجامعات الخاصة في البلاد، ترأست مجلس أمناء الجامعة، وهي شخصية بارزة في قطاع التعليم الخاص منذ خمسينيات القرن العشرين.
تربطها علاقات مع نظام الانقلاب العسكري في مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي، الذي يسيطر على مفاصل الدولة منذ 2013، حيث تستفيد مؤسسات التعليم الخاص من دعم النظام في ظل تراجع التعليم الحكومي، كما أن الجامعة التي ترأسها نوال الدجوي تحظى بمكانة مرموقة في ظل النظام الحالي، ما يجعلها جزءاً من شبكة النفوذ الاقتصادية والسياسية المرتبطة بالانقلاب.
أسرة الدجوي خلف الكواليس.. علاقات متوترة وانقسامات خفية
لم تكن أسرة نوال الدجوي بمنأى عن التصدعات التي تتعرض لها العديد من العائلات الثرية في مصر، خاصة تلك التي ارتبطت مصالحها بالسلطة، فمنذ سنوات، تداولت الصحف وقائع خلافات داخل الأسرة حول إدارة المؤسسات التعليمية، وتورط بعض أفرادها في نزاعات مالية، بل إن بعض تلك النزاعات وصلت إلى المحاكم، رغم الحرص على إبقائها طي الكتمان.
وفق تقرير نشره موقع "مدى مصر" في ديسمبر 2023، فإن بعض أفراد العائلة سعوا للانسحاب من المنظومة التعليمية بدعوى أنها أصبحت "عبئًا أخلاقيًا" و"تُدار بأدوات ضغط من جهات سيادية"، ويبدو أن هذا المناخ المشحون انعكس على الجيل الجديد من العائلة، الذين وجدوا أنفسهم بين مطرقة إرث السلطة وسندان التوقعات المجتمعية، دون مساحة للتعبير أو الانفصال عن هذه الدوامة.
عائلة الدجوي تشهد صراعات داخلية حادة، خصوصاً بين أبناء نوال الدجوي وأحفادها، على خلفية قضايا الميراث والثروة التي وصلت إلى حد اتهامات بالسرقة والاختلاس، وتوفي والد أحمد وعمرو الدجوي، شريف الدجوي، أستاذ أمراض القلب في مستشفى القصر العيني، ما زاد من تعقيد الخلافات العائلية، كما أن هناك خلافات بين أبناء نوال الدجوي، حيث توفي ابن وابنة لها، وبقي أحفادها يتنازعون على إدارة ممتلكاتها وأموالها، هذه الخلافات انعكست بشكل درامي في قضية السرقة التي أثارت جدلاً واسعاً في مصر، وأدت إلى توترات نفسية حادة بين أفراد العائلة.
صلة الحادثة بقضية سرقة فيلا نوال الدجوي
تأتي وفاة أحمد الدجوي في ظل قضية سرقة مبالغ مالية ضخمة من منزل جدته نوال الدجوي، حيث اتهمت الأخيرة حفيديها أحمد وعمرو بسرقة مبالغ كبيرة، بالإضافة إلى مبالغ بالعملات الأجنبية وقطع ذهبية كانت محفوظة في خزائن داخل شقتها بمدينة السادس من أكتوبر، وقد اكتشفت نوال الدجوي تغيير الأرقام السرية للخزائن، ما أثار تحقيقات أمنية مستمرة حتى الآن.
الانقلاب العسكري وأثره على قضايا النخبة المصرية
قضايا النخبة مثل عائلة الدجوي، التي ترتبط بالسلطة والنفوذ، تكشف عن هشاشة النظام الداخلي وتوتراته، إذ أن الانقلاب لم يحقق الاستقرار، بل فاقم من أزمات الفساد والظلم الاجتماعي، فوفاة أحمد الدجوي وسط هذه الظروف تثير تساؤلات حول مدى تأثير النظام على حياة الأفراد حتى داخل أرقى العائلات، وكيف أن السلطة العسكرية تسيطر على كل مفاصل الحياة، بما في ذلك النزاعات العائلية والاقتصادية.
تصريحات أكاديمية مثل عالية المهدي، أستاذة العلوم السياسية في جامعة القاهرة، تؤكد أن القتل قد يكون معنوياً عبر التدمير النفسي والتهم غير المثبتة، في إشارة إلى ما تعرض له أحمد الدجوي قبل وفاته.
حادثة السرقة داخل بيت نوال الدجوي: بداية الانهيار؟
الانتحار لم يكن الحادث الوحيد الذي أثار الجدل داخل هذه العائلة الثرية، إذ تعود القصة إلى أوائل عام 2024 حين تقدمت نوال الدجوي ببلاغ إلى قسم الشرطة تتهم فيه أحد أقربائها المقربين بسرقة مجوهرات وأموال طائلة من داخل منزلها. وعلى الرغم من أن القضية أغلقت إعلاميًا دون كثير من التفاصيل، إلا أن تسريبات تحدثت عن أن المتهم كان يعاني من اضطرابات نفسية، وأن الخلافات العائلية بلغت ذروتها بعد ذلك.
تفاصيل الحادثة تؤشر إلى انهيار الثقة داخل العائلة، حيث تم تسريب محادثات خاصة تتضمن اتهامات متبادلة بالتقصير والإهمال وحتى الطمع، ما تسبب في تدهور العلاقات بين عدد من أفراد الأسرة، وفي ظل هذا المناخ المتوتر، كانت الضغوط النفسية على الشاب المنتحر تزداد، خاصة مع ما تردد عن أنه كان متهماً بشكل غير مباشر في الحادثة، أو على الأقل ناله من الشك الكثير.
الخلاصة..
حادثة انتحار حفيد نوال الدجوي قد تبدو في ظاهرها مأساة فردية، لكن في جوهرها تعكس عمق التصدع في شريحة من المجتمع المصري ارتبطت بالسلطة، وتربت على مفاهيم الولاء والاستفادة من شبكة النفوذ، دون أن تُتاح لها بدائل صحية أو طبيعية لتشكيل الذات، كما أن مثل هذه الحوادث تكشف مدى هشاشة البنية الاجتماعية والسياسية، لا سيما حين تنفجر داخل دوائر قريبة من رأس السلطة، ففي بلد يشهد تدهورًا في الحريات، وتفشيًا في القمع والفساد، لا يمكن عزل حادثة مثل هذه عن السياق العام.