من مستشفى مدمر في غزة إلى الحدود الأردنية، قطعت زينب الأسطل رحلة قصيرة من حيث المسافة لكنها طويلة ومضنية. وصلت مساء الأربعاء مع ولديها المريضين، أحمد (13 عاماً) وقاسم (15 عاماً)، وبدت مذهولة من نجاتهم. قبل يوم واحد، انهارت أجزاء من سقف مستشفى الأوروبي في خان يونس فوق رؤوسهم بعد غارة إسرائيلية.
قالت زينب بعد عبور الحدود: "هذا الإجلاء الطبي أنقذ حياتنا". يحتاج ولداها المصابان بسرطان الدم إلى علاج لم يعد ممكناً داخل غزة، حيث دُمر معظم المعدات الطبية، ونفدت الأدوية، وتعرضت ثلث المستشفيات لهجمات مباشرة، بينما تغصّ ما تبقى منها بضحايا الغارات، ويقلّ عدد الأطباء والممرضين بسبب الاعتقال أو القتل.
يمثل الشقيقان وأطفال مرضى آخرون حالات مزدوجة المعاناة: عالقون في حرب قاسية ويصارعون أمراضاً فتاكة. فرص نجاتهم ترتبط بالحصول على علاج خارج غزة، لكن التقديم للحصول على تصريح خروج يشبه خوض قرعة قاتمة.
قاسم شُخّص بسرطان منذ عام ونصف، وأحمد منذ قرابة عام ويعتمد على نقل الدم. قبل الحرب، تجاوز عدد المرضى المحتاجين للإخلاء الطبي قدرة النظام، أما اليوم، فتُقدّر الأمم المتحدة عددهم بأكثر من 12 ألف شخص. وحذر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم، في يناير، من أن تأخير السماح بالمغادرة قد يعني أن بعض الأطفال لن يصلوا للعلاج إلا بعد 5 أو 10 سنوات.
تعاني الطفلة سما، تسع سنوات، ورماً في الدماغ يتسبب بنوبات متزايدة. وأوضحت والدتها، إسراء، أن "عدم وجود أجهزة تصوير بالرنين المغناطيسي في غزة يجعل من الصعب تشخيص الورم أو وضع خطة علاج". قبل أربعة أشهر، قُبل طلب الإجلاء الطبي، لكن إسرائيل رفضت مرافقة شقيقها عبد الرحمن (6 سنوات). رفضت الأم تركه وحيداً تحت القصف والجوع، فاضطرت للانتظار أسابيع حتى حصلت على إذن بالخروج مع طفليها.
غادرت سما، وشقيقا الأسطل، وطفل آخر مصاب بالسرطان غزة يوم الأربعاء برفقة أقاربهم، ضمن مبادرة اتفقت عليها الأردن والولايات المتحدة. أرادت الأردن نقلهم جواً من غزة، لكن إسرائيل رفضت ذلك، فاقتصر النقل الجوي على المسافة من الحدود الأردنية إلى مستشفى في عمّان. رغم أن المسافة المباشرة بين غزة ومعبر جسر الملك حسين لا تتجاوز 130 كيلومتراً، قضت المجموعة يوماً كاملاً في رحلة برية عبر إسرائيل، بينها ست ساعات انتظار داخل غزة دون ماء.
عند عبور معبر كرم أبو سالم في 13 مايو، صادرت إسرائيل أموالاً وممتلكات عائلات فلسطينية عادت إلى غزة بعد تلقي العلاج في الأردن، بحسب مسؤولين أردنيين. هؤلاء الخارجون لا يمثلون إلا جزءاً ضئيلاً من الأطفال المحتاجين للخروج.
الطفلة روان، التي تجاوزت عامها الأول بقليل، تعاني مرضاً في القلب وتنتظر منذ نهاية 2024 إذناً بالعلاج خارج غزة. المتحدث باسم اليونيسف، جوناثان كريكس، التقاها في مستشفى ناصر ولاحظها بين عشرات الأطفال المصابين بسوء تغذية، إذ بدت بصحة جيدة نسبياً، لكن وجنتيها الممتلئتين أخفتا قلباً يوشك على التوقف.
قال كريكس: "روان تحتاج جراحة عاجلة، وأمها قدمت طلب إخلاء طبي منذ خمسة أشهر ولم تحصل على الموافقة حتى الآن". توفي شقيق روان مؤخراً وهو على قائمة الانتظار. والدتها تخشى أن تلقى ابنتها المصير ذاته، والعلاج لم يعد ممكناً داخل غزة.
أضاف كريكس: "20 مستشفى فقط من أصل 35 تعمل جزئياً. نفدت أدوية التخدير ومضادات التجلط، ولم تعد هناك إمدادات لعلاج الأطفال المصابين بالسرطان".
يعرض أطباء غزة الحالات، وتدعم منظمة الصحة العالمية معظمها قبل إحالتها للسلطات الإسرائيلية. ومنذ بدء الحرب في أكتوبر 2023 وحتى منتصف أبريل، أُخلي أكثر من 7200 فلسطيني طبياً من غزة. وتركزت معظم الحالات على إصابات الحرب، لكن مئات المصابين بالسرطان وأمراض الدم والعين والقلب نُقلوا للعلاج في دول مثل قطر وتركيا والجزائر وبعض دول الاتحاد الأوروبي.
تجاوز عدد الأطفال الذين قُتلوا جراء الهجمات والغارات 15 ألفاً، بحسب وزارة الصحة في غزة. أطفال آخرون فقدوا حياتهم نتيجة أمراض يسهل علاجها في الظروف الطبيعية، كالحصبة والإسهال، التي تنتشر بسرعة داخل المخيمات المزدحمة المحرومة من النظافة والمياه النظيفة. كذلك، توفي 57 طفلاً بسبب سوء التغذية منذ أن منعت إسرائيل دخول الغذاء والمساعدات الطبية إلى غزة في مارس، وفقاً للأمم المتحدة. عشرات الآلاف يواجهون خطر الدخول في مراحل متقدمة من سوء التغذية.
تُضعف المجاعة مقاومة الأطفال وتجعلهم أكثر عرضة للأمراض، وتحرمهم من الطاقة التي يحتاجها الجسم لمحاربة العدوى. وأكدت منظمة الصحة العالمية: "يعيش سكان غزة في دائرة مفرغة من سوء التغذية والمرض، حيث تحوّل الأمراض العادية إلى أحكام إعدام، خاصة للأطفال".
https://www.theguardian.com/world/2025/may/15/a-grim-lottery-as-israel-bombs-hospitals-some-gaza-children-are-granted-rare-exit-permits