الشرع يخطو إلى الأمام
الاثنين 12 مايو 2025 01:00 م
فاطمة ياسين
يمكن اعتبار دخول الرئيس السوري أحمد الشرع فرنسا ضمن باب الحدث التاريخي لسورية الجديدة، ليس احتفاءً بالشرع ولا رغبة في تسجيل النقاط لصالحه، بل بوصفها أول زيارة لدولة غربية يقوم بها رئيس سوري منذ نحو 20 سنة... خيّم على سورية طغيان استمر أكثر من نصف قرن، حُرمت البلاد خلاله التواصل السليم مع دول العالم. واليوم يزور الرئيس السوري باريس بدعوة رسمية، وهي أول عاصمة أوروبية يتمكّن الشرع من الوصول إليها، حاملاً ماضياً يعرفه الجميع، يحاول أن يمسحه ويستعيض عنه بحاضرٍ من نوع آخر. وقد تكون هذه الزيارة بوّابته لهذا التأريخ الجديد. لذلك، لا أعتقد أنه جاء من باب المصادفة الاستعراض المصوّر الذي مهّد له فريق الشرع ببث فيديو قصير يَظهر فيه مع وزير الخارجية الشيباني وهما يلعبان كرة السلة في إحدى صالات القصر الجمهوري، مظهرين فرحاً "عفوياً" لحظة تسجيل الأهداف.
تأتي هذه الزيارة تحت العناوين التي أعلنها الشرع لنفسه حين أصبح رئيساً للبلاد، وقد ألزم بها نفسه للعبور نحو سورية مستقبلية لملاقاة لحظة حضارية فارقة، كان الشرع شاهداً على سلوك النظام الهارب وطريقة حكمه المشينة التي أودت بسورية إلى أخفض درك، ويعرف أيضاً أن التواصل مع الغرب بوابة ضرورية للنهوض بسورية، بحكم موقعها وإمكاناتها، وقد أوصل رسائل كثيرة بهذا الخصوص في كلماته التي ألقاها في مناسبات عديدة، أو من خلال سلوكيّاته التي يحاول فيها أن يظهر ذلك التقرّب. فمنذ اللحظة الأولى، وقبل أن يدخل دمشق، فُتحت السجون وأخرج كل المساجين، ومعظمهم كان موقوفاً لعلة سياسية، وكافح صناعة الحبوب المخدّرة، التي اكتشفنا أنها أضخم مما كنّا نتخيّل. فقد ضُبطت المصانع التي كانت في الملاحق السكنية لرؤوس النظام ومسؤوليه، وفي المزارع القريبة من العاصمة، والتي كانت تُدار جميعاً بمعرفة الفرقة الرابعة سيئة السمعة، ثم أوقف على الفور كل تعاون أو اتصال مع إيران وتوابعها. وقد حاولت إيران من طريق وسطاء أن تتقرّب من الشرع، لكنها وجدت طريقاً مغلقاً، وغير قابل للاختراق، فلجأت، على ما يبدو، إلى محاولات تشويش، وهي ليست بعيدة، في أي حال، عن حوادث الساحل المؤسفة وتأجيج مجاميع الفلول. ثلاثة من أهم البنود التي طالب بها الغرب نُفِّذَت على الفور، وهي وإن كانت مطلباً دولياً، فإنها أيضاً تصبّ في الصالح العام السوري، وقد انعكس أثرها الفوري على شكل انفراج اقتصادي، وإن بشكل بسيط.
كان وجه ماكرون باسماً، ورحّب بضيفه ووصفه بالقائد المناسب، وأعاد تكرار المطالبات عينها التي طالبت بها الإدارة الأميركية، واختتم كلامه بالنظر في عيني الشرع، قائلاً: أعتمد عليك! بوابة غربية مهمة مرّ الشرع منها، ويمكن البناء على هذه الخطوة، خطوات أخرى، خصوصاً وقد تلقى الشرع وعوداً بالعمل على رفع العقوبات عن سورية، وبعضها قد رُفع بالفعل، واستُثني بعضها الآخر، ما مكّن قطر من التكفل برواتب العاملين المدنيين في قطاعات الدولة، وهذا شريانٌ مهم يُكسب الدولة زخماً في العمل، ويعيد تزييت صوامل الحركة في السوق، بعد صدأ أصابها سنوات طويلة.
يعرف الشرع أن مهمته عسيرة، وأكبر تحدّ لها إرساء الأمن الذي يجب أن يتحقق قبل النهوض الفعلي بالاقتصاد، فلا بد من تخفيض مناسيب التوتر في كل المناطق، وإن كان الشرع قد نجح في الوصول إلى قلب الاتحاد الأوروبي، عبر إحدى أهم عواصمه، فهو يواجه تحدّياً لا يقل قساوة في الداخل، وهناك مجموعاتٌ ما زالت نشطة لا يناسبها جو الاستقرار، وبالقرب منه توجد إسرائيل التي اعترف الشرع بأنه يحاورها بكيفية غير مباشرة، محاولاً أن يأمن جانبها في الوقت الحالي، فهي طرفٌ خطيرٌ لا يمكن تجاوزه، ويجرّب الشرع أداة الحوار معها لإبقائها بعيدة عن المشهد الداخلي، والتفرّغ لإعادة الهدوء التام إلى الشوارع قبل إعادة البناء.