نشرت ياسمين الدسوقي هذا المقال على منصة رصيف22، وتناولت فيه دور الشائعات والسينما في إعادة صياغة صورة عبد الحكيم عامر، خاصة بعد هزيمة 1967، وكيف استُخدمت الوسائل الفنية لتبرير الفشل السياسي والعسكري، والتغطية على صراعات السلطة داخل الدولة الناصرية.

دخلت مصر نكسة عام 1967 وهي تحمل طموحات الأمة العربية ومشروعها القومي بقيادة جمال عبد الناصر. لكن الهزيمة أمام إسرائيل أجهضت هذه الآمال، وتركت جرحًا في الوعي الجمعي المصري والعربي. شكّل عبد الحكيم عامر، نائب ناصر وصديقه المقرّب، رأس الحربة في هذا الانهيار. ألقَت الدولة اللوم عليه، وحمّلته المسؤولية عن الفشل، فاعتقلته ووضعته قيد الإقامة الجبرية. ثم سُجّل انتحاره بالسم، وفق الرواية الرسمية.

تكوّنت علاقة عامر وناصر في الكلية الحربية، وتشاركا حب السينما والفنون. لكن مع الزمن، بدأت الخلافات تظهر، وتوسّعت بعد هزيمة 1967. تحوّل عامر من رمز إلى كبش فداء، واتّهم بالفساد واللهو والنساء، في محاولة من النظام لامتصاص الغضب الشعبي. لم يدافع عنه كثيرون، باستثناء زوجته برلنتي عبد الحميد، الممثلة الشهيرة التي تزوّجها سرًا عام 1964. اعتبر كثيرون هذا الزواج رمزًا لاختلاط السياسة بالشهرة، ما زاد من التوجس الشعبي.

في ذلك العصر، اعتمد النظام على السينما كأداة دعائية. احتضن ناصر الفن، ووجّهه نحو خدمة الخطاب القومي، فأنتجت الدولة أفلامًا تمجد الفرد المنضبط وتُدين الانحراف الأخلاقي. لكن بعد النكسة، أصيبت الساحة الثقافية بالشلل. توقف الإبداع سنوات، ثم بدأت تظهر روايات وأفلام توثق الانكسار، منها "العار" و"الكرنك"، وأعمال أخرى ناقشت نكبة 1948 والنكسة معًا. برزت موجة جديدة من السينما النقدية، لكن الرقابة استمرت، فمنعت أفلامًا، أو سمحت بها بشروط.

اتهم كثيرون الفنانين بالتجسس، سواء لحساب أجهزة مصرية أو أطراف أجنبية، ما زاد من مناخ الشك. ورغم ذلك، ظل الفن وسيلة لتمرير الرسائل السياسية. روى بعض المؤرخين العسكريين لاحقًا أن القيادة السياسية بأكملها ساهمت في الهزيمة، لكن الناس ركزوا على عامر، خصوصًا مع شائعات علاقاته النسائية، ومنها قصة حبه مع المطربة وردة. أما الأجهزة الأمنية، فقد سجلت حياته الخاصة سرًا، لاستخدامها لاحقًا ضده.

قدّمت السينما المصرية أعمالًا انتقدت التحالف بين السياسة والمال، مثل فيلم "زائر الفجر" (1973) لممدوح شكري، الذي صوّر مقتل صحفي يكشف فساد السياسيين ورجال الأعمال.

مرّت مصر بعد النكسة بتحولات متتالية. تلا ناصر أنور السادات، ثم حسني مبارك. خلال هذه الفترات، ترسخت قناعة الشعب بأن الفساد لا ينفصل عن السلطة. ضعفت الاشتراكية، وصعد الإسلام السياسي، كما أوضحت الكاتبة والناشطة أروى صالح في مذكراتها "المبتسرون"، التي نشرتها عام 1996 قبل انتحارها.

وفي عصر السيسي، غابت الرموز الثقافية الكبرى، وتحولت الفنون إلى أدوات ترفيه لا أكثر. لم تعد هناك محاولة لإقناع الجمهور بمشروع وطني، بل صار الإعلام يهدف فقط إلى التغطية على أزمات الاقتصاد والسياسة. أما في الخليج، فبدأت السعودية والإمارات تضخان أموالًا في الفن والثقافة، بهدف تبييض الانتهاكات الحقوقية، خاصة مع الجرائم في اليمن والسودان.

تتكرر النماذج. قديمًا، طمس النظام وثائق الأرشيف الرسمي، ووجّه الإعلام لصياغة التاريخ كما يشاء. اليوم، تتكرّر هذه الأساليب بصور جديدة، ووسائل أحدث. لكن النتيجة واحدة: توظيف الشائعات والسينما لإخفاء الحقائق.

كتب عبد الحكيم عامر في وصيته الأخيرة: "دمّرنا اقتصادنا بأيدينا، وسلمنا مصيرنا وتاريخنا للشيطان. ارتكبنا أخطاء كثيرة، لكن أكبرها أننا لم نعترف بها".

https://raseef22.net/english/article/1100100-rumors-and-warfare-abdel-hakim-amer-treason-and-egypts-entertainment-complex