"إسعاف 24".. هل تدخل الحكومة سوق الدواء بمنافسة غير عادلة؟
الأربعاء 2 أبريل 2025 09:00 م
في خطوة غير مسبوقة، وسّعت الحكومة نطاق خدماتها الصيدلية من خلال إنشاء سلسلة "إسعاف 24"، التي بدأت كفرعين فقط في القاهرة والإسكندرية، لتصل اليوم إلى 29 صيدلية، مع خطة مستمرة لافتتاح 200 صيدلية في مختلف المحافظات حتى عام 2027. المشروع الذي يدار عبر الشركة المصرية لتجارة الأدوية، يثير تساؤلات واسعة حول مدى عدالة المنافسة مع الصيدليات الخاصة، وتأثيره على سوق الدواء في مصر.
الخلفية القانونية والتاريخية
تعود جذور الأزمة القانونية إلى عام 1962، حين منح القانون المؤسسة المصرية العامة للأدوية سلطة إنشاء الصيدليات وإدارة توزيع الدواء دون الحاجة إلى ترخيص من وزارة الصحة. لكن هذا الاستثناء القانوني أُلغي عام 1976، ما يجعل التوسع الحالي لسلسلة "إسعاف 24" موضع تساؤل قانوني، خاصة بعد انتقال ملكية الشركة المصرية لتجارة الأدوية إلى هيئة الشراء الموحد في 2020.
في أغسطس 2024، أصدرت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة فتوى تقضي بعدم أحقية الشركة المصرية في إنشاء صيدليات دون ترخيص، ما يضع المشروع الحكومي تحت طائلة المراجعة القانونية.
التوسع في ظل الجدل القانوني
على الرغم من الفتوى، استمر التوسع في إنشاء صيدليات "إسعاف 24"، إذ افتُتحت 13 صيدلية جديدة في يوليو 2024، ليصل العدد إلى 26 بنهاية العام، دون توضيح رسمي من هيئة الدواء حول موقف تلك الفروع من الترخيص.
المسؤولون الحكوميون يرون أن التوسع ضروري لسد الفجوة في توافر الأدوية، خاصة النادرة والمستوردة، التي تعاني السوق المصرية من نقص مستمر فيها. ويبرر زكريا سعد، مدير عام صيدليات الإسعاف، القرار قائلاً: "لا يمكن أن يسافر المواطنون مئات الكيلومترات للحصول على دواء من صيدلية واحدة في القاهرة، لذا جاء التوسع كخطوة ضرورية لتوزيع الخدمة في جميع المحافظات".
منافسة غير متكافئة مع الصيدليات الخاصة؟
تواجه "إسعاف 24" انتقادات من أصحاب الصيدليات الخاصة الذين يرون أن الحكومة تستخدم سلطاتها لتكوين شبكة صيدليات تنافس السوق الحرة بطريقة غير عادلة.
علي عوف، رئيس شعبة الدواء باتحاد الغرف التجارية، صرّح بأن "دخول الحكومة في إنشاء سلاسل الصيدليات يؤدي إلى الإضرار بالصيادلة المستقلين، خاصة أن مصر لديها أكثر من 81 ألف صيدلية، وهو عدد يزيد عن الحاجة الفعلية للبلاد".
أما النقيب السابق لصيادلة مصر، محيي عبيد، فيرى أن "وجود سلسلة صيدليات تديرها الحكومة مباشرة أو عبر القطاع الخاص سيجعل المنافسة غير متكافئة، لأن الدولة تتحكم في سوق الأدوية من خلال هيئة الشراء الموحد، التي تستورد الأدوية وتوزعها، ما يعني أن الصيدليات الخاصة ستواجه صعوبة في تأمين الإمدادات".
الجانب الإنساني: المرضى بين الحاجة إلى الدواء والقدرة على شرائه
في وسط هذا الجدل، يبقى المواطن العادي هو المتأثر الأكبر. آمال، سيدة سبعينية تعاني من أمراض مزمنة، تعبر عن معاناتها قائلة: "ابني يصرف علاجه النفسي منذ 30 عامًا من مستشفى الدمرداش، واليوم طلبوا مني الذهاب إلى صيدلية الإسعاف لشرائه".
إسماعيل، رجل ستيني جاء من مرسى مطروح، قال إنه اضطر للسفر للحصول على دواء للألم العصبي بسعر 25 جنيهًا من صيدلية الإسعاف، بعد أن وصل سعره في الصيدليات العادية إلى ألف جنيه. بينما تصف ماري، الستينية، رحلتها المرهقة بحثًا عن علاج أعصاب غير متوفر في أي صيدلية قريبة منها.
هل تقود الحكومة احتكارًا للدواء؟
يرى معارضو المشروع أنه يمثل نوعًا من الاحتكار الحكومي، إذ تستفيد "إسعاف 24" من خصومات تصل إلى 27% عند شراء الأدوية من الشركات المحلية، وتبيعها بنفس الأسعار التي تعتمدها الصيدليات الخاصة، ما يمنحها أرباحًا أكبر.
كما أن الحكومة تسعى لاستغلال العلامة التجارية "إسعاف 24" عبر شراكات مع القطاع الخاص، إذ تدرس منح مستثمرين حق استخدام الاسم وبيع الأدوية الناقصة داخل المستشفيات الحكومية، ما قد يحولها إلى منافس مباشر للصيدليات المجاورة، ويؤثر على فرصها في البقاء.
المستقبل: هل هناك حل وسط؟
في ظل تصاعد الجدل، قدم النائب كريم بدر طلب إحاطة لمجلس النواب لمناقشة تأثير المشروع على الاقتصاد الصيدلي، والمطالبة بوضع ضوابط تحول دون تضرر الصيدليات الخاصة. في المقابل، تسعى الحكومة لاستكمال مشروعها بتوسيع سلسلة "إسعاف 24"، وإطلاق تطبيق إلكتروني "بالشفا"، يسهل الحصول على الأدوية ويوسع نطاق الخدمة.