تشهد الساحة التشريعية حالة من الجدل المتزايد حول قانون الإيجارات القديمة، حيث تؤكد مصادر برلمانية أن الحكومة تتعمد تعطيل إصدار القانون الجديد، من خلال الترويج لفكرة أنها لن توافق على زيادة قيمة الإيجارات القديمة إلا بعد الاتفاق على مرحلة انتقالية مناسبة.
ومن المرجح أن تتأخر الحكومة في تقديم مشروع التعديل حتى بعد انتهاء دور انعقاد مجلس النواب في نهاية يونيو المقبل، متجاوزة بذلك المهلة المحددة من المحكمة الدستورية العليا.
 

حكم المحكمة الدستورية وأبعاده
   في خطوة هامة، أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكماً بعدم دستورية بعض بنود قانون الإيجارات القديمة رقم 136 لسنة 1981، حيث اعتبرت أن ثبات قيمة الإيجار دون أي زيادات غير عادل للطرفين، مما يوجب تعديل القانون ليحقق التوازن المطلوب بين الملاك والمستأجرين.
ورغم ذلك، فإن الحكومة لم تُبدِ تحركات جدية لمعالجة هذه الأزمة، ما يعكس صراعاً بين المصالح الاقتصادية والسياسية.
 

مصلحة الحكومة في تأجيل القانون
   تشير مصادر برلمانية إلى أن تحرير عقود الإيجار القديمة من شأنه أن يؤدي إلى زيادة كبيرة في المعروض من الوحدات السكنية في المدن الكبرى مثل القاهرة والجيزة والإسكندرية.
وهذا بدوره قد يقلل الطلب على العقارات الجديدة التي تطرحها الحكومة من خلال هيئة المجتمعات العمرانية في المدن الحديثة.
ولأن الحكومة تعمل على تسويق أكثر من 700 ألف وحدة سكنية خلال السنوات الخمس المقبلة، إضافة إلى نحو مليون وحدة غير مباعة منذ 2014، فإن أي تحرير للعقود القديمة سيؤثر سلباً على خططها الاستثمارية.

كما أن هناك أكثر من 500 ألف وحدة سكنية مغلقة تخضع لأحكام قانون الإيجارات القديمة، وهي تقع في مناطق مميزة بالقرب من المرافق الحيوية ووسائل المواصلات.
إذا تم تحرير عقودها، فمن المرجح أن يرتفع الطلب عليها على حساب العقارات الجديدة التي تطرحها الحكومة، والتي تعاني بالفعل من ضعف الإقبال نظراً لارتفاع أسعارها وبعدها عن مراكز العمل والخدمات الأساسية.
 

أعباء المواطنين والتكلفة المعيشية
   من جهة أخرى، يرى الخبراء أن تكلفة المعيشة المرتفعة تشكل تحدياً كبيراً أمام انتقال المواطنين إلى المدن الجديدة، حيث تسببت موجات التضخم الأخيرة في زيادة تكاليف النقل والسلع الأساسية، مما يجعل السكن في المناطق القديمة أكثر جاذبية حتى وإن كانت الوحدات قديمة وصغيرة الحجم.
علاوة على ذلك، فإن الإيجارات القديمة الحالية، والتي تتراوح بين 5 و20 جنيهاً شهرياً، تشكل متنفساً لفئات كبيرة من محدودي الدخل، بينما أي زيادة مفاجئة قد تؤدي إلى أزمة سكنية جديدة.
 

الكرة في ملعب البرلمان
   تصريحات مصطفى مدبولي رئيس حكومة السيسي حول الحاجة إلى "مرحلة انتقالية" قبل زيادة قيمة الإيجارات تشير إلى نية الحكومة تأجيل التعديلات، وهو ما يعني أن الكرة ستبقى في ملعب البرلمان.
ومن المتوقع أن يتجنب مجلس النواب تقديم مشروع قانون جديد، نظراً لحساسية القضية وتداخل المصالح بين الملاك والمستأجرين.

في حين أن الحكومة سعت في السابق إلى تحقيق مكاسب مالية من قوانين أخرى مثل قانون التصالح في مخالفات البناء، الذي أدخل لخزينة الدولة نحو 50 مليار جنيه منذ 2019، فإنها لا تجد في قانون الإيجارات القديمة أي عائد اقتصادي مباشر، مما يعزز احتمالية تأجيله لأطول فترة ممكنة.