فرّق مراقبون بين النظام الجزائري الذي وضع رأسه بين الرؤوس المطبعة عربيًا، وبين الشعب الرافض للتطبيع، بعدما قال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لصحيفة "لوبينيون" الفرنسية إن "الجزائر ستكون على استعداد لتطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني في اليوم ذاته تكون فيه دولة فلسطينية كاملة".
وقالت حركة "حمس" الجزائرية إن تصريجات تبون تدل على "ضغوط مشبوهة حيال الجزائر من حلفاء صهيون، لجرها للتبطيع"، مذكرًا تبون بتصريحات سابقة له عن اتفاقات إبراهيم أنها "هرولة مرفوضة نحو التطبيع".
وذكرته "حمس" أن الجزائر سبق لها أن اعتبرت أن اعتراف "اسرائيل" بسيادة الرباط على الصحراء الغربية انتهاك جديد للقانون الدولي وقرارات مجلس الامن".
وظلت الجزائر تتهم المغرب باستهدافها بالتنسيق مع المغرب بسبب رفضها التطبيع، وعلق الحقوقي الجزائري ساسي هاشم إن موقف الجزائر أشبه ما يكون بموقف النرويج وإيرلندا وإسبانيا وبعيد تمامًا عن موقف إيران من القضية الفلسطيينة.
وقال المحلل "سيف الإسلام بن عطية" لموقع قناة "الحرة" إن موقف "الدولة الجزائرية" ليس جديدًا فسبق أن كانت طرفًا في المبادرة العربية للسلام في بيروت عام 2002.
واعتبر أن سوء اختيار التوقيت في خضم ما يجري في الشرق الأوسط منذ أكثر من سنة جعل كلامه يأخذ منحى آخر وقراءات متضاربة بعضها اعتبر أن الموقف الجزائري تغير من القضية الفسطينية.
ورأى أن الفرز حاليًا في الخيارات العربية حيال التواصل مع تل أبيب هو بين؛ تطبيع شامل، وتطبيع معلق على شرط واحد.
وقال مراقبون تعليقًا إن الخطر لا يحدق بالمغاربة المطحونين بالفقر والرافضين للتطبيع، بل وجود مغرب صهيوني هو مهدد رئيسي لكامل دول شمال أفريقيا: الجزائر، وتونس، وليبيا، وموريتانيا، والحل فقط بيد المغاربة جميعًا بخلع الملك الصهيوني واستعادة بلدهم.
ويسير تبون ونظام العسكر في الجزائر على ما يبدو؛ على منهج محمد السادس ملك المغرب الذي لطالما انتقده، حيث بقي مستعدًا لدفع أي ثمن كي يحصل على اعتراف ترامب ونتنياهو وغيرهما بتبعية الصحراء الغربية، وبعد أن انتزع الاعتراف سمح بإنشاء قاعدة صهيونية، تتوسط المنطقة الفاصلة بين مليلية والجزائر!
الأكاديمي المصري د. عصام عبد الشافي @essamashafy قال إن مختصر القصة هو علاقة بين (أميركا ـ الجزائر) وأضاف أن "تحولات جذرية في السياسة الخارجية الجزائرية حيث الأمور تتم هندستها منذ سنوات".
وأوضح أن "الجزائر تتحرك نحو أميركا بقوة.. وليس من المستبعد توقيع اتفاقيات تعاون عسكري.. ووجود قواعد عسكرية أمريكية على الأراضي الجزائرية.. وسيكون ذلك في جزء كبير منه على حساب علاقات الجزائر الاستراتيجية مع روسيا".
ورجح أنه "سيكون لذلك تداعياته على السياسة الخارجية الجزائرية سواء في ملف فلسطين أو ملف الصحراء المغربية أو ليبيا أو الصراع في المتوسط".
https://x.com/essamashafy/status/1886552645193572612
الإعلامي المدافع عن الجزائر وموقفها من القضية الفلسطينية نظام المهداوي اختلف موقفه تمامًا وعبر @NezamMahdawi رأى أن "بوليفيا ونيكاراغوا وكولومبيا قطعت علاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ليس بسبب الاحتلال بحد ذاته أو لعدم حصول الفلسطينيين على حقوقهم، بل بدافع أخلاقي، إذ ترفض هذه الدول إقامة علاقات طبيعية مع كيان مجرم ارتكب حرب إبادة ويمارس الفصل العنصري.".
وأضاف، "من حق رئيس الجزائر أن يراعي مصالح بلده، لكن ليس من حقه أن يُصدر تصريحًا الآن يشترط قيام دولة فلسطينية ليُطبّع في اليوم التالي، وكأنه يُقدّم مكافأة للكيان بعد كل مجازر الإبادة، ويتعامل معه كأنه دولة شرعية تستحق أن تقيم الجزائر معها علاقات طبيعية".
وشارك بن عطية رأيه من أن "تصريح الرئيس تبون جاء في توقيت خاطئ جدًا، وقد يُورّط الجزائر في الدخول ضمن صفقة التطبيع التي تعمل عليها إدارة ترامب بين السعودية و "إسرائيل".
واعتبر أن "المثير في تصريح تبون أنه لم يُطرح عليه أصلًا أي طلب لتطبيع العلاقات من أي جهة، لكنه ذهب طوعًا ليضع نفسه في موضع المستعد للتطبيع.. أتفهّم حاجة تبون لكسب ودّ الإدارة الأمريكية، كما تفعل باقي الدول، لكنه يكاد يكرر سيناريو جاره #المغرب، الذي أدرك أن أقصر الطرق إلى رضا أمريكا هو إسرائيل.".
وأشار إلى أن ".. الجزائر ليست دولة عادية؛ فقد قدّمت ملايين الشهداء على طريق استقلالها، وسطّرت البطولات بلا كلل أو ملل، وكانت أيقونة للثائرين في العالم. فهل يقبل هذا الإرث العظيم أن تُطبّع الجزائر مع كيان استعماري استيطاني فاشي، لا يملك أي حق في الأرض، حتى لو تنازل الفلسطينيون عن نصفها أو كلها؟".
وذكر الجزائر بموقفها من شيطان العرب، "لقد دافعتُ عن الجزائر في وجه مخططات محمد بن زايد، وتلقيت اتهامات كثيرة وبلاغات عطّلت حسابي مرات عديدة، ولم يكن يعنيني الأمر. وكنتُ أتمنى ألا أضطر إلى انتقاد رئيسها في قضية بلدي فلسطين".
وختم متوصلاً إلى أن "ما يطمئن القلب أن الجزائر ستظل عصيّة على التطبيع، ليس بسبب نظامها، بل بإرادة شعبها الذي يعتبر إسرائيل عدوه الأول، وهو كاره لوجودها.".

