في مشهد يتكرر يوميًا داخل المراكز التكنولوجية بمختلف المحافظات، يقف مئات المواطنين في طوابير طويلة تمتد إلى خارج المباني، حيث يسعون لإنهاء إجراءات التصالح على مخالفات البناء، وسط الزحام والتوتر، يواجه المواطنون معوقات عديدة تشمل الروتين الإداري، سوء معاملة الموظفين، والرسوم المتزايدة التي أثقلت كاهلهم.
 

رسوم إضافية تثقل كاهل المواطنين
   من بين هذه الرسوم، تبرز "رسوم الجيش" التي تبلغ 1000 جنيه نظير معاينة العقارات، وهي رسوم جديدة لم تكن مطبقة في القانون السابق لعام 2019، لكنها أصبحت إلزامية مع تعديلات قانون التصالح الجديد لعام 2023.
المواطنون يعبرون عن استيائهم من هذه الرسوم، معتبرين أنها عبء إضافي غير مبرر، خاصة أن معظم الأراضي التي يتم التصالح عليها ليست أراضي عسكرية.

ويشير المواطنون إلى أن هذه الرسوم تدفع في البنك الأهلي لصالح القوات المسلحة، حيث يقوم أحد أفراد الجيش بزيارة العقار المطلوب التصالح عليه، والتأكد من عدم وقوعه على أراضٍ تابعة للقوات المسلحة أو بالقرب من المطارات المدنية والعسكرية.
 

الشرطة تدخل على الخط
   لم يقتصر فرض الرسوم الإضافية على الجيش، بل امتد ليشمل إدارات الدفاع المدني التابعة لوزارة الداخلية، والتي بدأت منذ العام الماضي في تحصيل 500 جنيه نظير مراجعة ملفات التصالح، رغم أن دورها الفعلي يقتصر على تمرير الملفات فقط دون إجراء معاينات فعلية.
المواطنون يرون أن هذه الرسوم تشكل عبئًا إضافيًا غير مبرر، وسط ارتفاع التكاليف الأخرى مثل الرسوم الهندسية، تقارير الاستشاريين، ورسوم شهادات السلامة الإنشائية.
 

شهادات المواطنين.. معاناة يومية
   أبو حسين، أحد المتضررين، يؤكد أنه اضطر لدفع مبالغ غير رسمية لضمان تمرير ملفه، ومع ذلك لم يتم تحويله في الوقت المناسب، ما أدى إلى ضياع فرصة التصالح عليه وفقًا للقانون السابق، ويضيف: "دفعنا الكثير من الأموال في الحماية المدنية، ومجلس المدينة، ولجان المعاينات، لكن الإجراءات لا تزال معقدة وبطيئة".

من جهتها، تؤكد سيدة ثلاثينية تقف في طابور المراجعة أنها تعاني من "الزحام الرهيب والمعاملة السيئة"، مشيرة إلى أن الموظفين يتعمدون إرجاع الملفات بحجج غير واضحة، ما يضطر المواطنين للانتظار أيامًا وأسابيع.
 

تحليل قانوني.. بين الجباية والتنظيم
   يؤكد محاميان متخصصان في قضايا التصالح أن فرض رسوم معاينة الجيش يهدف بالأساس إلى ضمان عدم التلاعب في إجراءات التصالح، لكن تطبيقه بهذه الطريقة يجعل منه عبئًا ماليًا غير مبرر، خصوصًا أن معظم العقارات المستهدفة لا تقع ضمن المناطق الحساسة.
كما أشارا إلى أن الرسوم الجديدة تجعل تكلفة التصالح تفوق بكثير قدرة المواطن العادي، ما قد يدفع كثيرين للعزوف عن استكمال الإجراءات.
 

من الهدم إلى فرض الرسوم
   ملف مخالفات البناء في مصر شهد تحولات كبيرة منذ عام 2017، حينما بدأت السلطات في إزالة آلاف العقارات المخالفة، ولاحقًا تبنت الحكومة نهج التصالح، الذي أصبح أحد المصادر الرئيسية لتمويل الخزانة العامة، حيث قُدرت حصيلة التصالح بعشرات المليارات من الجنيهات، ومع تعديل القوانين وإدخال رسوم جديدة، أصبح التصالح يمثل عبئًا إضافيًا على المواطنين الذين يعانون من تراجع أوضاعهم الاقتصادية.
 

إتاوات مقننة؟
   السياسي ممدوح إسماعيل وصف هذه الرسوم بأنها "إتاوة مقننة"، مؤكدًا أن فرضها دون تقديم خدمة حقيقية يعيد إلى الأذهان ممارسات الأنظمة القمعية التي تعتمد على فرض الضرائب والرسوم لإثراء المؤسسات التابعة لها، وأضاف أن هذه السياسة تؤدي إلى تعميق الفجوة بين الدولة والمواطنين، خاصة في ظل تراجع الخدمات العامة وارتفاع تكاليف المعيشة.