لم يشفع إعلان قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، ولا رئيس حكومته ووزرائه على أن مصر ترحب بمشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، وتقديم تسهيلات للمستثمرين المصريين والعرب والأجانب لحثهم على الدخول والتوسع في السوق المصرية – في هروب الشركات المصرية قبل الأجنبية من مصر.
وهناك العديد من الشهادات العالمية والقرائن الدامغة، التي لا تخفى على المراقب لاقتصاد مصر وحركتها الاجتماعية والاقتصادية، بأن مصر لم تعد واجهة استثمارية سواء لمستثمرين أجانب أو حتى محليين، بل أصبحت طاردة للجميع حتى رجال الأعمال المقربين من نظام عبد من أبرز الأسباب التي دفعت هذه الشركات لاتخاذ قرار التوسع نحو الأسواق الخارجية هو التسهيلات الاستثمارية الواسعة التي تقدمها تلك الدول، وتشمل الإعفاءات الضريبية وتبسيط الإجراءات وتوفير بنية تحتية متطورة.
توسع الشركات المصرية في الأسواق المجاورة
- قفز عدد الشركات المصرية في السعودية من 500 إلى 4 آلاف شركة.
- تضاعف رأس مال الشركات من 5 مليارات ريال إلى 50 مليار ريال.
- 30% من تصاريح الاستثمار السعودية خلال الربع الأول عام 2024 حصلت عليها شركات مصرية.
- المصريون يحتلون المرتبة الثالثة بين الجنسيات الأكثر تأسيسًا للشركات في دبي خلال النصف الأول من 2024.
- بلغ عدد الشركات المصرية الجديدة المسجلة بدبي 2355 شركة.
ومن أبرز أسباب هروب الشركات المصرية إلى الخارج:
تسهيلات استثمارية جذابة
من أبرز الأسباب التي دفعت هذه الشركات لاتخاذ قرار التوسع نحو الأسواق الخارجية هو التسهيلات الاستثمارية الواسعة التي تقدمها تلك الدول، وتشمل الإعفاءات الضريبية وتبسيط الإجراءات وتوفير بنية تحتية متطورة.
في المقابل، تواجه الشركات المصرية تحديات كثيرة داخل السوق المحلي، مثل التعقيدات البيروقراطية والبيئة الاستثمارية غير الميسرة والأعباء الضريبية المرتفعة، مما يضعف قدرتها على المنافسة والاستمرارية.
هذا التحدي طُرح بوضوح خلال لقاء رئيس وزراء السيسي الدكتور مصطفى مدبولي مع مجموعة من كبار رجال الأعمال والمستثمرين قبل أسبوعين، حيث أشار محمد الإتربي رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري إلى أن بيئة العمل الجاذبة في الإمارات نجحت في استقطاب نحو 2360 شركة مصرية خلال النصف الأول من عام 2024.
وحذر الإتربي من الآثار السلبية لهذا النزوح الاستثماري على الاقتصاد المصري، والتي وصفها بالتهديد الخطير، خاصة أن مصر تمتلك كافة الإمكانيات للتطور، داعيًا إلى اتخاذ خطوات عاجلة لمعالجة المشكلات التي تواجه الشركات محليا.
التعقيدات الإدارية
يأتي ذلك وسط تساؤلات ملحّة بشأن قدرة الحكومة على خلق مناخ تنافسي جاذب للاستثمار يحافظ على استمرارية الشركات ويوقف نزيف خروجها إلى أسواق أخرى، ويعالج مخاوفها المتعلقة ببيئة الأعمال.
يتفق الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب السفير جمال بيومي مع تصريحات رئيس البنك الأهلي المصري، ووصف هذا التطور بأنه يشكل "نزيفًا للاقتصاد المصري ويتطلب تدخلاً عاجلاً من الحكومة لوضع حلول جذرية لتحسين بيئة الاستثمار المحلية".
وأكد بيومي، أن التسهيلات الاستثمارية المقدمة في العديد من الدول، مثل الإعفاءات الضريبية وتبسيط الإجراءات، تجذب الشركات المصرية التي تواجه تحديات كبيرة محليًا، مما يهدد تنافسية بيئة الأعمال المصرية، وفقًا لـ"الجزيرة نت".
وعدد السفير بيومي أشكال التعقيدات التي تواجه المستثمرين مثل التعقيدات الإدارية وبطء سير الإجراءات والتعقيدات المالية المتعلقة بصعوبة التعامل مع البنوك المحلية وارتفاع تكلفة التمويل، داعيا إلى تحديد هوية الاقتصاد المصري: هل هو اقتصاد تقوده الدولة أم اقتصاد يقوده السوق؟
تدهور ظروف القطاع الخاص
انعكست صعوبة بيئة الأعمال على ظروف التشغيل في القطاع الخاص غير النفطي بمصر والتي تدهورت في ديسمبر الماضي مع انخفاض الإنتاج والطلبيات الجديدة بأسرع معدل في 8 أشهر وسط ضغوط التكلفة المتزايدة، وفقا لشركة ستاندرد آند بورز.
وواصل مؤشر مديري المشتريات الرئيس انكماشه للشهر الرابع على التوالي دون 50 نقطة لأسباب تتعلق بضعف الطلب من جانب العملاء وزيادة الضغوط التضخمية، التي تفاقمت بسبب ضعف الجنيه مقابل الدولار.
ورغم ذلك يدفع صندوق النقد الدولي نحو تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد المحلي في إطار البرنامج الاقتصادي الذي تنفذه حكومة السيسي بموجب اتفاقية قرض بقيمة 8 مليارات دولار، وقد تسلمت مصر ثلاث شرائح من هذا القرض حتى الآن.
بيئة طاردة للشركات
أرجع رجل الأعمال المصري الأمريكي محمد رزق أسباب هجرة أو توسع الشركات المصرية في الأسواق الخارجية إلى سببين:
الأول هو الامتداد الطبيعي لعمل هذه الشركات فى الشرق الأوسط وخاصة الشركات الكبرى الناجحة بحثًا عن فرص جديدة.
الثاني هو تخارج بعض الشركات من السوق المصرية بسبب الصعوبات التي تجابهها وعدم ملائمة البيئة الاستثمارية، ناهيك عن المزايا التي تقدمها بلدان الإقليم.
وأكد، في حديثه، أن على الحكومة المصرية الانتباه لهذه الظاهرة السلبية "وقد فعلت خيرا مؤخراً بالجلوس مع بعض رؤساء تلك الشركات للوقوف على المشاكل ومحاولة إيجاد حلول واقعية لها حيث تبقى المشكلة الأساسية هي توفير العملة الأجنبية وارتفاع فائدة الاقتراض وبالتالي الضغط على كل قطاعات الاقتصاد، وعدم وجود رؤية شاملة واضحة لإنهاء هذا العوار بسبب الفجوة الدولارية".
ورغم ذلك، يظل التفاؤل بحل الحكومة المصرية مشكلات بيئة الاستثمار محدودًا، وفقًا لرزق، وذلك لسببين رئيسيين:
الأول هو تمسك الدولة بسيطرتها على إدارة الاقتصاد.
الثاني هو افتقار الوزارات والهيئات الحكومية إلى الكفاءات والبنية التحتية اللازمة للتحول الرقمي، إلى جانب الموروثات البيروقراطية التي تعرقل جهود الإصلاح.
أزمة عجز في التمويل
وتواجه مصر أزمة تمويل حادة منذ هروب نحو 22 مليار دولار من الأموال الساخنة من البلاد منذ مارس 2022، بجانب تراجع الدعم الخليجي لعبد الفتاح السيسي، الذي وضعت سياساته البلاد في أزمة ديون خارجية وصلت نحو 165 مليار دولار، فيما تضغط آجال الديون وفوائدها على الموازنة العامة للبلاد.
وكشفت مؤسسة “فيتش” عن ارتفاع كبير في استحقاقات الديون الخارجية المصرية، من 4.3 مليار دولار في السنة المالية 2023، إلى 8.8 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في يونيو 2024، و9.2 مليار دولار في العام المالي 2025.
عسكرة الاقتصاد والتضييق على القطاع الخاص
ووفق دراسة لمركز كارنيجي للدراسات، فإن انخراط القوّات المسلّحة في الاقتصاد، أدّى إلى ظهور نموذج جديد من رأسمالية الدولة. فقد سعت الدولة، مدفوعة بالاشتراكية العربية في ستينيات القرن الماضي، والخصخصة في التسعينيات، في عهد عبد الفتاح السيسي، إلى تطويع القطاع الخاص إلى إستراتيجيتها الاستثمارية الرأسمالية فيما تستمر في إعلان التزامها الرسمي باقتصاد السوق الحر، وفقًا لـ"الشارع السياسي".
تدّعي المؤسسة العسكرية أنها توظف 5 ملايين شخص، لكن جميعهم تقريبًا يعملون في الواقع لدى مقاولين فرعيين من القطاع الخاص يقومون على مشاريع مُموّلة من القطاع العام تُديرها هيئات عسكرية. قد يساعد نهج السيسي في توليد النمو الاقتصادي وتحسين كفاءة المالية العامة، لكنه يعزز أيضًا قبضة الدولة المصرية بدلًا من توطيد اقتصاد السوق الحر.
مصادرة الأموال
ومنذ ولاية السيسي الأولى في العام 2014، توسع النظام في مصادرة الأموال وتجميدها، واعتقال بعض رجال الأعمال، وفرض إتاوات مالية ضخمة، وتبرعات لعدد من صناديق السيسي التي استحدثها، لصندوق تحيا مصر، والصندوق السيادي، وحساب حياة كريمة…وغيرها من مشاريع السيسي، بل انتقل السيسي لالتهام الكثير من الشركات والأموال، من بعض رجال الأعمال، تحت مزاعم الارهاب، وغيرها، على الرغم من تبرع أصحاب تلك الشركات لصناديق السيسي، بل واعلانهم تأييد ودعم النظام.
ولم يتورع السيسي عن المصادرة وتقنين الاستيلاء على الأموال وضمها لخزانة الدولة، ومدارس ومستشفيات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، وشركة محلات التوحيد والنور، وشركة المستقبل، وشركات كومبيوتر واستثمارات واسعة لرجال أعمال مستقلين، وجه إليهم السيسي اتهامات ملفقة، وسجن بعضهم، كصفوان ثابت ونجله، للضغط عليه للاستحواذ على جزء كبير من شركة جهينة، وأيضًا رجال أعمال كثر…
وكانت عدة محاكم قد قضت في العام 20021، بنقل ممتلكات وأموال 89 مواطنًا مصريًا لخزانة الدولة، وذلك بالمخالفة للدستور، إذ تنص (المادة 35) من الدستور المصري 2014، على أن “الملكية الخاصة مصونة، وحق الإرث فيها مكفول، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة فى القانون، وبحكم قضائي، ولا تُنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل يُدفع مقدما وفقًا للقانون”.
وقضت الدائرة الأولى بمحكمة الأمور المستعجلة بالقاهرة، بقبول دعوى نقل ممتلكات وأموال 89 من الإسلاميين معظمهم من أعضاء وقيادات جماعة الإخوان المسلمين لخزانة الدولة. وشمل الحكم ورثة الرئيس الراحل د. محمد مرسي، ومرشد الجماعة د. محمد بديع، ونائبه م. خيرت الشاطر، و د. صفوت حجازي، و د. محمد البلتاجي، ومحسن راضي، وأسعد الشيخة، و د. عبد الرحمن البر، وأيمن هدهد، وآخرين.
وكان البرلمان أقر في العام 2022 ، تعديلات قانون “مكافحة غسيل الأموال” الذي أطلق يد السلطات الأمنية في مصادرة الأموال دون حكم قضائي بالمخالفة لمواد الدستور، وجعلها رهن تقارير “أمنية”. التعديلات تجاوزت قرينة البراءة بما يفتح الباب أمام السلطة من أجل مصادرة أموال الأبرياء بالمخالفة للدستور الذي حظر مصادرة الأموال بدون حكم قضائي.
وبررت الحكومة التعديل بأنه يهدف لسد ثغرة قانونية لا تسمح بمصادرة الأموال عندما يحصل المتهم على براءة بسبب خطأ في الإجراءات أو انتهاء مدة الطعن على المخالفة وانقضاء الدعوى الجنائية. ويمنح القانون قائد الانقلاب سلطة تشكيل مجلس أمناء وحدة مكافحة غسل الأموال بالبنك المركزي، وتحديد نظام عمله واختصاصاته ونظام إدارة الوحدة دون التقيد بالنظم والقواعد المعمول بها في الحكومة والقطاع العام وقطاع الأعمال العام.
ويطعن قانونيون في التعديل، لعدم اشتراط صدور حكم بالإدانة في الجريمة الأصلية، وهو مخالفة للدستور الذي يحظر مصادرة الأموال الخاصة إلا بحكم قضائي، وبأن العقوبة لا بد أن تكون شخصية ولا توقع إلا بحكم قضائي.
تلك التشريعات وغيرها تشير إلى حالة عارمة من الجباية والشره تكاد تصم السلوك العام لنظام السيسي، الذي يريد تحرير دولة الجباية من أي قيد ويمنح سلطة الضبط حرية استحلال المال ويطلق يد السلطة في التغول على الملكيات العامة والخاصة، وتبعث المصادرة برسائل سلبية للمستثمرين المحليين والأجانب وتجعل بيئة الاستثمار غير آمنة.