يشهد قطاع الزراعة في مصر أزمة متفاقمة تتعلق بتراجع إنتاجية محصول القطن، وهو أحد المحاصيل الاستراتيجية في البلاد، حيث ترتبط به قطاعات أخرى عديدة مثل صناعة الغزل والنسيج، التي كانت لسنوات مصدر دخل رئيسي للبلاد. إلا أن تراجع الإنتاجية في السنوات الأخيرة أصبح مرتبطًا بعدة عوامل، أبرزها الفساد المتعلق بتوزيع تقاوي قطن غير صالحة للزراعة، إضافة إلى نظام جديد فرضته الدولة لإدارة المحصول، والذي أثار استياء المزارعين وزاد من معاناتهم.

توزيع التقاوي الفاسدة
تشير تقارير عديدة إلى تورط جهات حكومية وأخرى مرتبطة برجال أعمال في توزيع تقاوي قطن فاسدة على المزارعين، وهو ما أدى إلى تراجع الإنتاجية بشكل غير مسبوق. تقاوي القطن الفاسدة، التي تم توزيعها على نطاق واسع في مختلف المحافظات الزراعية، تسببت في ضعف النباتات، مما أثر بشكل مباشر على حجم المحصول وجودته.

المزارعون الذين يعتمدون على محصول القطن كمصدر رئيسي للدخل، وجدوا أنفسهم أمام واقع مأساوي. التقاوي التي تلقوها لم تعط النتائج المتوقعة، ما أدى إلى انخفاض كبير في كمية الإنتاج، وبالتالي تراجع الدخل الذي كانوا يعتمدون عليه لتغطية تكاليف معيشتهم. بعض التقارير المحلية أشارت إلى أن الإنتاج في بعض المناطق انخفض بنسبة تصل إلى 50% مقارنةً بالسنوات السابقة.

تداعيات الفساد على المزارعين
من أكثر الفئات التي تضررت من هذه الأزمة هم المزارعون الصغار، الذين يعتمدون على حصاد القطن السنوي لتأمين قوت عائلاتهم. هؤلاء المزارعون يعانون من تفاقم الأعباء المالية نتيجة لانخفاض دخلهم الناتج عن المحصول الضعيف. وقد اضطر بعضهم إلى بيع جزء من ممتلكاتهم أو الاستدانة من أجل تغطية نفقات الزراعة الموسمية.

العديد من المزارعين انتقدوا الدولة بشدة، معتبرين أن الفساد المستشري في توزيع التقاوي هو السبب الرئيسي وراء تراجع الإنتاجية. بعض المزارعين رفعوا شكاوى رسمية، لكنهم لم يجدوا استجابة من السلطات المعنية، وهو ما زاد من شعورهم بالإحباط والظلم.
المنظومة الجديدة للقطن: إضافة لمعاناة المزارعين

إلى جانب مشكلة التقاوي الفاسدة، قامت الدولة بتطبيق نظام جديد لإدارة زراعة القطن وتسويقه. النظام الجديد يفرض على المزارعين بيع محصولهم من القطن وفقًا لأسعار تحددها الحكومة، ما يقيد قدرتهم على تحقيق أرباح مجزية من محصولهم.

تحت هذا النظام، يتم تحديد أسعار شراء القطن مسبقًا، وغالبًا ما تكون هذه الأسعار أقل من تلك التي يمكن أن يحصل عليها المزارعون في السوق الحرة. هذا الوضع زاد من معاناة المزارعين الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على بيع محاصيلهم بأسعار لا تغطي حتى تكاليف الإنتاج. في الوقت الذي تُحقق فيه شركات الوساطة والجهات الحكومية مكاسب ضخمة من تسويق القطن في الأسواق المحلية والعالمية.

انتقادات المزارعين والنقابات الزراعية
النقابات الزراعية والعديد من الخبراء في مجال الزراعة انتقدوا بشدة النظام الجديد، مشيرين إلى أنه لا يخدم مصلحة المزارع بل يساهم في زيادة أرباح الشركات الكبيرة على حساب صغار المزارعين. بعض النقابات طالبت بإصلاح شامل لمنظومة الزراعة وتوزيع التقاوي، مع التركيز على دعم المزارعين وتعويضهم عن الخسائر التي تكبدوها نتيجة السياسات الحالية.

إضافة إلى ذلك، هناك مطالب بإجراء تحقيقات شفافة في ملف توزيع التقاوي الفاسدة، ومحاسبة المسؤولين المتورطين في هذه العمليات التي دمرت محصول القطن وألحقت أضرارًا جسيمة بالمزارعين.

تأثير الأزمة على الاقتصاد
تأثر الاقتصاد المصري بشكل كبير نتيجة تراجع إنتاج القطن. مصر التي كانت تعتمد على صادرات القطن كمصدر مهم للعملة الصعبة، تواجه الآن انخفاضًا في جودة المحصول وكميته، ما أدى إلى تراجع القدرة التنافسية للقطن المصري في الأسواق العالمية. هذا التراجع أثر بشكل مباشر على صناعة الغزل والنسيج، التي كانت تعتمد بشكل كبير على القطن المحلي في عمليات الإنتاج.

إلى جانب ذلك، يواجه الاقتصاد المصري ضغوطًا إضافية نتيجة لتزايد استيراد القطن الخام من الخارج لتلبية احتياجات الصناعات المحلية، وهو ما يزيد من العجز في الميزان التجاري ويؤثر سلبًا على الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية.

خاتما ؛ تعد أزمة تراجع إنتاج القطن في مصر نتاجًا مباشرًا للفساد وسوء الإدارة، حيث أدى توزيع تقاوي فاسدة إلى خسائر فادحة للمزارعين وتراجع في الإنتاجية. هذا إلى جانب النظام الجديد الذي فرضته الدولة، والذي أثار استياء المزارعين وزاد من معاناتهم. إن معالجة هذه الأزمة تتطلب تدخلًا حكوميًا عاجلًا لمحاسبة المسؤولين عن توزيع التقاوي الفاسدة، بالإضافة إلى إعادة النظر في السياسات الزراعية ودعم المزارعين لتحسين إنتاجية القطن وضمان استدامة هذا المحصول الحيوي.